للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واسْتقْبَلُوهُ مُسْتَمِعِينَ.

===

بكر، وعمر وعامَّة خلافة عثمان، فَلَمَّا كَثُرَ الناس، زاد النداء الثالث على الزَّوْرَاء». وإنَّما جُعِلَ الثالثُ لأن الإقامة تُسَمَّى أذاناً كما جاء في الحديث: «بين كل أذانين صلاة» (١) (واسْتَقبَلُوهُ مُسْتَمِعِينَ). في «الظَّهِيرِيَّة»: قال بعضهم: ما دام الخطيب في حمد الله وثنائه والمواعظ فعليهم الاستماع، فإذا أخذ في مدح الظَّلَمة والثناء عليهم فلا بأس بالكلام حينئذٍ. وقال بعضهم: التباعد عن الخطيب أفضل، كيلا يسمع ما يقول الخطيب من مدح الظلمة. ثم لا ينبغي أن يَتَخَطَّى رِقَاب الناس بحيث يؤذيهم، إلا إذا كان قدامه فضاء.

وفي «المحيط»: ولا يُشَمِّتُون عاطساً، ولا يردون سلاماً، ولا يقرؤون قرآناً. وعن أبي يوسف: يردون السلام، ويُشَمتُون العاطس في أنفسهم. وإذا كان بعيداً من الخطيب بحيث لا يسمع، قيل: يقرأ في نفسه، وقيل: يسكت، قيل: هو الأصحُّ. لأنه مأمور بالاستماع، ولم يعجز عن الإنصات فلزمه. والأظهر أنه يقرأ ليحوز الفضيلتين، وهو لا ينافي الإنصات المانع من الاستماع الذي وقع النهيّ عنه بقوله: {فاسْتَمِعُوا لَهُ وأَنْصِتُوا} (٢) . وجَوَّزَ الشافعي ردَّ السلام بناءً على أنَّ الرَّدَّ واجب والاستماع عنده سُنَّة، فلا يكون مانعاً. وهو رواية عن أبي يوسف. قلنا: ذاك إذا كان السلام مأذوناً فيه شرعاً، وليس كذلك في حال الخطبة، بل يصير به آثماً لِشَغْلِهِ خاطر السامع عن الفرض.

وأجاز (٣) أيضاً للداخل تحية المسجد لقصة سُلَيْك الغَطَفَانِيّ. أخرجها الجماعة، عن جَابِر بن عبد الله: أن رجلاً جاء يوم الجمعة، والنبي صلى الله عليه وسلم يخطبُ، فقال: أصلَّيتَ يا فلان؟ قال: لا، قال: صلِّ ركعتين، فَتَجَوَّزْ (٤) فيهما». زاد مسلم: وقال: «إذا جاء أحدكم يوم الجمعة، والإمام ـ يخطُب، فَلْيَرْكَعْ ركعتين، ولْيَتَجَوَّزْ فيهما». ولنا ما روينا عن عليّ (٥) ، وما في ابن أبي شَيْبَة عن الزُّهْرِيّ قال في الرجل يجيء يوم الجمعة، والإمام يخطُب: «يَجْلِسُ ولا يُصَلّي». وما في «الكتب الستة»، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قلت لصاحبك: أنصِت، يوم الجمعة والإمام يخطب، فقد


(١) سبق تخريجه، ص: ٣٢٩، التعليقة رقم: (٤).
(٢) سورة الأعراف، الآية: (٢٠٤).
(٣) أي الإمام الشافعي رحمه الله.
(٤) تَجَوَّزَ في الصلاة: أي خَفَّفَها وأسْرَعَ بها. النهاية: ١/ ٣١٥.
(٥) نص الحديث: "لا تُصَلُّوا والإِمام يخطب". رواه عبد الحق.

<<  <  ج: ص:  >  >>