للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويُجَرَّدُ بِلا مَضْمَضَةٍ واسْتِنْشَاقٍ،

===

وجب ترجيح أنه للحدث.

وتُستر عَوْرَتُه لأن النظر إليها حرام كالحيّ، وهو ما تحت سرته إلى ركبته، كما في الحيّ. وقيل: الغليظة. وفي «الهداية»: هو الصحيح تيسيراً. قلت: وهو ظاهر الرواية. والأول رواية «النوادر»، وصححها في «النهاية»، واختاره الكَرْخِيّ لقوله صلى الله عليه وسلم لعليّ: «لا تنظر إلى فَخذِ حيّ ولا ميت» (١) . ولذا لا يَحِلُّ للرجل غسل النساء، وبالعكس.

(ويُجَرَّدُ) عن ثيابه وهو قول مالك، للاعتبار بحال حياته. وقد كان هذا التجريد مشهوراً فيما بين الصحابة بدليل ما رُوِيَ أنهم قالوا: أنُجرِّدُه كما نُجَرِّدُ موتانا أم نُغَسِّلُه في ثيابه؟ فسمعوا هاتفاً يقول: لا تجرّدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية: «اغسلوه في قميصه الذي مات فيه». ولأنه (٢) قد يتنجس مما يخرج منه (٣) ، وينجس الميت به، ويَشِيعُ بصب الماء عليه، بخلاف النبيّ صلى الله عليه وسلم لأنه لم يخرج منه إلاَّ طيب. فقد قال عليّ: «طِبْتَ حيّاً وميتاً».

ويُوَضَّأُ أولاً اعتباراً بحال الحياة، إلاَّ أنه لا يُقدَّمُ غَسْلُ يديه، بل يُبْدَأُ بوجهه، بخلاف الجُنُبِ، لأنه يتطهّر بهما. والميت يُغَسَّلُ بيد غيره. ولا يُمْسَحُ رأسُه في رواية، والمختار: أن يُمْسَحَ ويُنَجَّى (٤) عند أبي حنيفة ومحمد، بعد ما يَلُفُّ على يده خِرْقَةً لحرمة المس كالنظر. وعند أبي يوسف: لا يُنَجَّى، لأن المُسْكَةَ (٥) قد زالت، فلو نُجِّيَ ربما يزداد الاسترخاء، فتخرج نجاسة أخرى. فيُكْتَفَى بوصول الماء إليه (٦) .

ولهما: أن موضع استنجاء الميت لا يخلو عن نجاسة، فَتُزَال كما في الحياة، وكما لو كانت في موضع آخر من بدنه.

(بِلَا مَضْمَضَةٍ واسْتِنْشَاقٍ) وهو قول مالك وأحمد، خلافاً للشافعي قياساً على الحيّ. ولنا: أن في إدخال الماء في أنفه وفمه وإخراجه منهما حرجاً، فيُتْرَكَان.


(١) أخرجه ابن ماجه في سننه ١/ ٦٩، كتاب الجنائز (٦)، باب ما جاء في غسل الميت (٨)، رقم (١٤٦٠).
(٢) أي الثوب أو القميص.
(٣) أي من الميت.
(٤) أي يُزَال عنه النَّجْوُ من غائط وأذى.
(٥) المُسْكَة: أي القوة. المصباح المنير، ص: ٥٧٣، مادة (مسك).
(٦) أي: إلى موضع الاستنجاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>