للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

حقها، فظن الراوي ذلك لتقارب المحلين.

ورُوي عن أبي حنيفة: أنه يُحَاذِي رأسه، ويُحَاذي وسطها. وبه قال الشافعي، لمَا روى أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، من حديث نافع ـ أبي غالب ـ قال: «كنت في سِكَّة المِرْبَد (١) ، فمرت جِنَازة معها ناس كثير ـ قالوا: جِنَازة عبد الله بن عُمَيْر ـ فتبعتها. فإذا أنا برجل عليه كِسَاء رقيق، وعلى رأسه خرقة تقيه من الشمس. فقلت: من هذا الدُّهْقَان؟ ـ أي الرئيس ـ. فقالوا: أنس بن مالك. فلما وُضِعَتْ الجِنَازة، فصلى عليها، وأنا خلفه لا يحول بيني وبينه شيء، فقام عند رأسه، وكبر أربع تكبيرات لم يُطِل، ولم يُسرع، ثم ذهب يقعد فقالوا: يا أبا حمزة: المرأة الأنصارية، فَقَرَّبُوها وعليها نَعْشٌ أخضر، فقام عند عَجِيزَتِها، فصلى عليها نحو صلاته على الرجل، ثم جلس.

فقال العلاء بن زياد: يا أبا حمزة: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي على الجنازة، يكبر أربعاً، ويقوم عند رأس الرجل، وعَجِيزَة المرأة؟ قال: نعم. قال أبو غالب: فسألت عن صنيع أنس في قيامه على المرأة عند عَجِيزتها. فحدثوني: أنه إنما كان لأنه لم يكن النُّعُوش، فكان الإمام يقوم حِيَال عجيزتها يسترها من القوم».

ويؤيده لفظ الترمذي، وابن ماجه عن أبي غالب قال: «رأيت أنس بن مالك صلَّى على جِنَازة فقام حِيَال رأسه، فجيء بجنازة أخرى. فقالوا: يا أبا حمزة: صَلِّ عليها، فقام حِيَال وسط السرير».

وفي «المحيط»: لو اجتمع جنائز جاز أن يُصَلَّى عليها صلاة واحدة، بأن يُجْعَل الرجل بين يَدَي الإمام، والصبي وراءه، ثم الخُنْثَى، ثم المرأة، ثم الصبية. لأنهم يقفون حال الحياة في الجماعة هكذا. ولِمَا رَوَى ابن أبي شَيْبَة عن عليّ رَضِيَ الله عنه أنه قال: «إذا اجتمعت جنائز الرجال والنساء، جُعِل الرجال مما يلي الإمام، والنساء مما يلي القِبْلة. وإذا اجتمع الحُرُّ والعبد، جُعِلَ الحر مما يلي الإمام، والعبد مما يلي القِبْلة». وعن أبي هريرة: «أنه صلى على جنائز رجال ونساء، فقدَّم النساء مما يلي القبلة، والرجال مما يلي الإمام». وعن عثمان وابن عمر، وزيد بن ثابت، ووَاثِلَةِ بن الأَسْقَع ـ رَضِي الله عنهم ـ نحوه.

وروى أبو داود، والنَّسائي، عن عمَّار بن أبي عمَّار قال: «شَهِدت جِنَازة أم كلثوم وابنها. فَجُعِلَ الغلام مما يلي الإمام، فأنكرت ذلك. ـ وفي القوم ابن عباس، وأبو سعيد،


(١) المِرْبَد: موقف الإبل. المصباح المنير ص: ٢١٥، مادة (ربد).

<<  <  ج: ص:  >  >>