بن أبي وَقَّاص:«أدخُلُوا به المسجد حتى أُصَلِّيَ عليه، فأُنْكِرَ ذلك عليها. فقالت: والله لقد صلَّى النبيّ صلى الله عليه وسلم على ابنَيْ بيضاء في المسجد: سُهَيْلٍ وأخيه».
ولنا: ما أخرجه الطحاوي في «معاني الآثار»، عن أبي هريرة: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «من صلّى على جِنَازة في مسجد فلا شيء له». ورواه أبو داود، وابن ماجه، عن أبي ذُؤَيْب، عن صالح ـ مولى التَّوْأَمة ـ عن أبي هريرة. ولفظ ابن ماجه:«فليس له شيء». وفي رواية:«فلا شيء عليه». وفي رواية:«فلا أجر له». ورواه ابن أبي شَيْبَة في «مصنفه» بلفظ: «فلا صلاة له». قال ابن عبد البَرّ: رواية: «فلا أجر له» خطأ فاحش. والصحيح:«فلا شيء له». وصالح مولى التَّوْأَمة مختلف في ضعفه.
قال الطحاوي: وهذا أوْلى من حديث عائشة، لأن حديثها إخبار عن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال الإباحة التي لم يتقدمها نهي، وحديث أبي هريرة إخبار عن نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي تقدمته الإباحة، فصار حديث أبي هريرة أوْلى من حديث عائشة، لأنه ناسخ له.
وفي إنكار من أنكر ذلك على عائشة ـ وهم يومئذ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ دليل على أنهم قد عَلِمُوا في ذلك خلاف ما قد عَلِمَتْ، ولولا ذلك لَمَا أنكروا عليها. انتهى. ولأن صلاته عليه الصلاة والسلام على ابني بيضاء في المسجد: سُهَيْل وأخيه، واقعةُ حالٍ، لا عموم لها، فتجوز أن تكون لضرورة كونه مُعْتَكِفاً ونحوه، أو لبيان الجواز.
وأمَّا ما ثبت أنه صُلِّيَ على أبي بكر وعمر في المسجد، ومعلوم أن عامة المهاجرين والأنصار شَهِدُوا الصلاة عليهما، وفي تركهم الإنكار دليل على الجواز، كما ذكره الخَطَّابِي، فجوابه: أن صلاتهم عليهما في المسجد كانت لعارض دفنهما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم والله سبحانه أعلم.
(ولَوْ وُضِعَ المَيِّتُ خَارِجَهُ) أي خارج المسجد، وقام الإمام خارجه ومعه صف، والباقي في المسجد (اخْتَلَفَ المَشَايِخُ) فقيل: لا يُكْرَه، لأنه ليس فيه احتمال تلويث المسجد. وقيل يُكْرَه، لأن المسجد أُعِدَّ لأداء المكتوبات، فلا يُقَام فيه غيرها إلاَّ لعذر. والأول أظهر، لأنه لا يُكْرَه النوافل وغيرها من أنواع الطاعات وأصناف الدعاء. وأمَّا المسجد الحرام فَمُسْتَثْنَى، كما صَرَّح به ابن الضياء إذ هو موضوع لأداء المكتوبات، والجمعة، والعيدين وصلاة الكسوف والخسوف، وصلاة الجِنَازة والاستسقاء، ولعله