للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولَوْ كَانَ ظَهْرُهُ إِلى ظَهْرِ إِمَامِهِ لا لِمَنْ ظَهْرُهُ إِلى وَجْهِهِ. وكُرِهَ فَوْقَهَا

===

قريبٌ منه صلى الله عليه وسلم فرآه لِقُرْبه، ولم يره أُسامة لِبُعْدِه مَع خِفَّةِ الصلاة وإغلاق الباب واشتغاله بالدعاء. وجاز له نَفْيُها عملاً بِظَنِّه، على أَنه معارَضٌ بما في «مسند أَحمد»، و «صحيح ابن حِبَّان» عن عُمَارة بن عُمَيْر، عن أَبي الشَّعْثَاءِ عن ابن عمر: «أَخبرني أُسامةُ بن زيد: أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى في الكعبةِ بين السَّارِيَتَيْن ومَكَثَ معه عمر، لم أَسْأَله كم صَلَّى». وهذا سند صحيح.

والأَوْلى الجمع بينهما بما رواه الدَّارَقُطْنِي عن ابن عمر كما تقدم. وبما روى هو والطبرانيُّ عن أَبي حبيب بن أَبي ثابت، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس قال: «دخل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم البيت فَصَلَّى بين الساريتين، ثُم خرج فصلَّى بين الباب والحِجْرِ ركعتين، ثُم قال: هذه القِبْلَةُ»، ثُم دخل مرةً أُخرى فقام يدعو، ثُم خرج ولم يُصَلِّ. قال البيهقيُّ: فَصَلَّى مرةً وترك مرةً، إلا أَنَّ في ثبوت الحديثين نظراً. والله ولِي التوفيق، وبيده أَزِمَّة

التحقيق.

(ولَوْ كَانَ) المُصَلِّي (ظَهْرُهُ إِلى ظَهْرِ إِمَامِهِ) أَوْ جنبه إِلى جنبه، لأَنَّه توجه إِلى القِبلة غير متقدم على إِمَامهِ ولا معتقد بِخَطَئِهِ، لأَن كل جانب قِبلة بخلاف مسألة التحري (١) . (لَا لِمَنْ ظَهْرُهُ إِلى وَجْهِهِ) أَي وَجْهُ إِمَامهِ لأَنه مُتقدِّمٌ عليه. ولو كان وَجْهُهُ إِلى وجه إِمامه ولا حائل، جازت الصلاةُ مع الكراهة، لأَنه شِبْهُ عبادةِ الصورة. ولو قام الإِمام في الكعبة وفتح الباب وقام المقتدون حولها، جاز، وكان كقيامه في المحراب في باقي المساجد.

(وكُرِهَ) مع الجواز النَّفْلُ والفَرْضُ (فَوْقَهَا) أَما الجوازُ فلأَنَّ القِبْلة هي العَرْصَة (٢) والهواء إلى عَنان السماء دون البناء، لأنه قد يُنْقَل، ولأَنها تجوز اتفاقاً على أَبي قُبَيس ولا بناءَ بين يديه يساويه. وأَما الكراهة فلما فيه مِنْ تَرْك التعظيم، ولِما روى الترمذي وابن ماجه عن ابن عمر: أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يُصَلَّى في سَبْعِ مواطن: في المزبلة، والمَجْزَرة، والمقبرة، وقارعة الطريق، وفي الحمَّام، ومعاطن (٣) الإِبل، وظهر بيت الله. ولم يُشترط لصحة الصلاة فوقها سترةٌ بين يَدَي المُصَلِّي. ويشترطها


(١) قال صاحب "العناية" ٢/ ١٥٢: يعني إِذا صلَّوا في ليلةٍ مظلمة، فجعل بعضهم ظهره إلى ظهر الإمام وهو يعلم حاله، فإنه لا تجوز صلاته لأنه اعتقد أن إمامه على الخطأ.
(٢) العَرْصَة: البُقْعة الواسعة بين الدُّور - جمع دار وهي المحل يجمع البناء والساحة - لا بناء فيها المعجم الوسيط ص: ٥٩٣، مادة (عَرَصَ).
(٣) العَطَن: مَبْرَك الإِبل ومَرْبض الغنم عند الماء. المعجم الوسيط ص: ٦٠٩، مادة (عَطَنَ).

<<  <  ج: ص:  >  >>