للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَاضِلٍ عن حاجتِهِ الأَصْلِيةِ، وعَن دَيْنٍ مُطَالَبٍ مِنْ عبدٍ

===

والحارِث الأَعْوَر، عن عليّ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أَنَّه قال: «إِذا كانَتْ لك مِئَتا دِرْهَم، وحَال عليها الحَوْلُ، ففيها خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وليس عليك شيءٌ ـ يعني في الذهب ـ حتى يكونَ لك عِشْرون ديناراً، وإِذَا كانَتْ لكَ عِشْرُون ديناراً وحَالَ عليها الحَوْلُ، ففيها نِصْفُ دينار، فما زاد فبِحِسَابِ ذلك قال: لا أَدري أَعَلِيٌّ يقول: فبحسابِ ذلك، أَوْ رفَعَه إِلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم؟ وليس في مالٍ زكاةٌ حتى يحولَ عليه الحولُ». ولا يَقْدحُ فيه ضَعْفُ الحارث من رواية، لمتابعة عاصم له، فيجب قَبُول رَفْعِه لتوثيق ابن المديني، وابن مَعِين، والنَّسائي إيَّاه. وقد قال النَّوَوي: حديث صحيح أَوْ حسن.

(فَاضِلٍ عن حاجتِهِ الأَصْلِيةِ) لأَنَّ المشغول بالحاجة الأَصلية كالمعدوم في حقّ الزكاة، فلا يجب في دُور السُّكْنى، وثياب البدَن، وأَثاثِ المنزل، ودوابِّ الرّكوب (١) ، وعبيد الخِدمة، وسلاح الاستعمال، وكُتُب العلمِ لأَهلها، وآلات المحترفين لأَصحابها.

فلو كان له قَدْرُ نصاب، لكنْ يحتاج إِلى أَنْ يَصْرِفَه في هذه الأَشياء فلا زكاة فيه، كذا ذُكِر في بعض الشروح، نقله البِرْجَنْدي. وفيه بَحْث، لأَنَّه إِنْ أَراد أَنَّه لا يلزمه بعد الحول، فغير صحيح، وإِنْ كان قَبْلَه فلا كلام فيه.

(وعَن دَيْنٍ) حَالَ أَوْ مُؤَجَّلٍ بأَصالة أَوْ كفالة (مُطَالَبٍ مِنْ عبدٍ)، فلا يمنع الزكاة دَيْنٌ هو نَذْر أَوْ كفارة، أَوْ وجوب حج، لأَنَّ العبد ليس له أَنْ يُطَالِبَ به، ويمنعها دَيْنٌ هو عُشْر، أَوْ خَرَاج أَوْ زكاة عند أَبي حنيفة ومحمد. وفي «المحيط»: وصورته: إِذا حال الحول على النصاب فوجبت الزكاة فيه، لم يجب فيه في الحول الثاني، أَي لاشتغال بعض النصاب بدَيْنِ الزكاة، ولو أُتْلِفَ النصابُ ـ أَي كُلُّه ـ بعد الحول الثاني حتى صارت الزكاة ـ أَيْ زكاة الحول الأَول ـ دَيْناً في ذمّته يمنع ذلك وجوب الزكاة، أَي للحَوْل الثاني. وقال زُفَر: لا يمنع كِلاهما. وقال أَبو يوسف: وجوب الزكاة يمنع، ودَيْن الزكاة لا يمنع، لأَنَّ دَيْن الزكاة لا مُطَالِبَ له مِنْ جهة العباد، كالنذْر، والكفَّارة، وصدقة الفِطْر، والأُضحية. وأَما وجوب الزكاة فجزءٌ من النِّصاب صار مُسْتَحَقَّاً فانتقض به النصاب.

ولهما أَنَّ هذا دَيْن له مُطَالِب من جهة العباد، لأَن حقَّ الأَخْذ كان للإِمام في الأَموال الظاهرة والباطنة، لظاهر قوله تعالى: {خُذْ من أَموالهم صدقةً تُطَهِّرُهُمْ} (٢) ،


(١) في المطبوع: الزرع، وما أثبتناه من المخطوط.
(٢) سورة التوبة، الآية: (١٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>