للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَصْرِفُ الزَّكَاةِ الفَقِيرُ: أَي مَنْ لَهُ مَا دُونَ النِّصَابِ،

===

قد أَعَزَّ اللهُ الإِسلام وأَغنى عنكم، فإِن ثبتم على الإِسلام وإِلاَّ فبيننا وبينكم السيف، فرجعوا إِلى أَبي بكر فقالوا: الخليفةُ أَنْت أَمْ عُمَرُ؟ فقال: هو إِنْ شاء. ووافقه ولم يُنكر أَحَدٌ من الصحابة ذلك مع ما يتبادر منه من كونه سبباً لإِثارة النائرة (١) ، أَوْ ارتداد بعض المسلمين. فلولا اتفاق عقائدهم على حقيته، وأَنَّ مفسدة مخالفته أَكثر من المفسدة المتوقعة لبادروا إِلى إِنكاره.

ثم اختلف كلام القوم في وجه سقوطهم بعد النبيِّ صلى الله عليه وسلم مع ثبوته بالكتاب إِلى حينِ وفاته عليه الصلاة والسلام: فمنهم مَنْ ارتكب جواز نَسْخ الكتاب بالإِجماع، بناءً على أَنه حجَّةٌ قطعيةٌ كالكتاب، وليس بالصحيح من المذهب. ومنهم مَنْ قال: هو من قبيل انتهاء الحكم بانتهاء علّته، كانتهاء صوم رمضان بانتهائه. واعْتُرِض بأَن الحكم في البقاء لا يحتاج إِلى علة، كما في الرِّقِّ، والرَّمَل (٢) والاضطِبَاع (٣) في الطواف. والجواب: أَنْ الشارع حَكَمَ ببقائه ثَمَّةَ بعد زوال السبب لِحَقِّ العبد في الرِّقِّ، والذُّل (٤) بقاء في ضِمْنِهِ، ولحكمة لائحة في الأَخيرين ولا ذل فيهما، ولا يُحْكمُ ههنا ببقائه بعد زوال السبب، فلو أُعطوا منها بعده لزِم ذل الإِسلام وإِنَّه لا يجوز، فكان من قبيل انتهاء الشيء بانتهاء علَّته، فلا جَرَم أَجْمَعَ الصحابة على قطعه، إِذْ لا نَسْخَ بعده عليه الصلاة والسلام.

(مَصْرِفُ الزَّكَاةِ) وكذا العُشْر، وما أَخَذَ العاشِر من تجار المسلمين (الفَقِيرُ: أَي مَنْ لَهُ مَا دُونَ النِّصَابِ) وفي «الهداية» وغيرها: الفقير مَنْ له أَدنى شيءٍ.

وكان المصنف أَخذ ما فسر به الفقير، من قولهم بجواز دَفْعِ الزكاة إِلى مَنْ يملك دون النصاب، وقد صَرَّح به في «الخُلاصة»، وأَيضاً ما في «الهداية» وغيرها مُبْهَم يحتاج إِلى هذا التبيين. وفي معناه مَنْ له قَدْر نصاب غير نامٍ وهو مُسْتَغْرَقٌ في الحاجة.

وفي «المحيط»: لا يَحِلُّ للفقير أَنْ يأْخذ من مالِ غَنِيَ ـ لا يُزَكِّي ـ بغير علمه، فإِنْ أَخذ كان لِلْغَنيِّ أَنْ يستردَّ إِنْ كان قائماً، ويضمن إِنْ كان هَالِكاً، لأَنَّ الحق ليس


(١) النَّائرة: العداوة والشَّحْناء. مختار الصحاح ص ٢٨٥، مادة (نور).
(٢) الرَّمَل: المشي السّريع مع هَزِّ الكتفين. معجم لغة الفقهاء ص: ٢٢٧.
(٣) الاضْطِباع بالرداء: يكون بإِخراجه من تحت الإِبط الأَيمن، وإِلقائه على المنكب الأيسر. معجم لغة الفقهاء، ص: ٧٣.
(٤) في المطبوعة: للذل، ما أثبتناه من المخطوطة.

<<  <  ج: ص:  >  >>