للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمِسْكِينُ: أَي مَنْ لا شَيءَ لَهُ، وعَامِلُ الصَّدَقَةِ، فَيُعْطَى بِقَدْرِ عَمَلِهِ،

===

لهذا الفقير بعينه. ولو كان الفقير مُكْتَسِباً قوياً تَحِلُّ له الصدقةُ، ولا يَحِلُّ له السؤال.

(والمِسْكِينُ: أَي مَنْ لا شَيءَ لَهُ) فيكون أَسوأ حالاً من الفقير، وهو قول عامة السلف. وعن أَبي حنيفة ـ وهو قول الشافعي ـ أَنَّ الفقير أَسوء حالاً من المِسكين، لقوله تعالى: {أَمَّا السفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} (١) ، ووجه الأَول قوله تعالى: {فإِطْعَامُ ستينَ مِسْكِيناً} (٢) ، فإِنَّه لا فَاقَةَ أَحوج من الحاجة إِلى الطعام، ويؤيده قوله تعالى: {أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ} (٣) وذِكْرُ المساكين في الآية الأُولى جاز أَنْ يكون لِلتَّرَحُّم، أَوْ يُقال: لام {لِمَسَاكِيَن} للاختصاص لا للملك، فإنها (٤) ـ أي (٥) السفينة ـ كانت للعمل، وهم كانوا خَدَمَة السفينة.

وقيل: إِنها كانت عارِيَّةً عندهم، ثُم عن أَبي يوسف أَنهما صِنْفٌ واحدٌ إِذْ يُعَبَّرُ عن كُلَ بالآخَر. وقال أَبو حنيفة: صنفان، وهو الصحيح كما قال فَخْرُ الإِسلام، لأَنَّ عطف أَحدهما على الآخر يقتضي المغايرة بينهما، فلو قال: ثلث مالي لفلان وللفقراء والمساكين، على قول أَبي يوسف لفلان نصفه، وعلى قول أَبي حنيفة ثلثه.

(وعَامِلُ الصَّدَقَةِ) وهو مَنْ يبعثه الإِمام لجبايتها (فَيُعْطَى بِقَدْرِ عَمَلِهِ) أَي ما يكفيه وأَعوانه ذهاباً وإِياباً، لأَنه فرَّغ نفسه لِعَمَلٍ من أُمور المسلمين فيستحق الكفاية، كالمقاتلة والقضاة. وليس ما يأْخذُه أَجرةً، لأَنها لا تكون إِلاَّ على عَمَلٍ مَعْلُومٍ، ومُدةٍ معينةٍ، ولا صدقةً، لأَنه يأْخذ وإِنْ كان غنياً. ويَحِلُّ به العَمَالة (٦) بالإِجماع، لكن فيه شبهةُ الصدقة، فلم يجز أَخذها للعامل الهاشمي صيانةً لقَرابةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أَوساخ الناس، وهذا عندنا خلافاً للشافعي.

وفي «شرح الكنز»: لو استغرقت كفايةُ العامل الزكاةَ لا يزاد على نصفها، لأَن الأَنصاف غايةُ الإِنصاف، ولو حُمِلت الزكاةُ إِلى الإِمام لم يستحق هو شيئاً إِذا كان غنياً.


(١) سورة الكهف، الآية: (٧٩).
(٢) سورى المجادلة، الآية: (٤).
(٣) سورة البلد، الآية: (١٦) المَتْرَبَة: المَسْكَنةُ والفاقةُ، ومِسْكين ذو مَتْرَبَة: أي لاصقٌ بالتراب. مختار الصحاح ص: ٣٢، مادة (ترب).
(٤) في المطبوعة: فإِن، وما أثبتناه من المخطوطة.
(٥) سقط من المطبوعة.
(٦) العَمَالة: أجرة العامل أو رزقه. معجم لغة الفقهاء ص ٣٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>