للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وابْنُ السَّبِيل: أي مَنْ لَهُ مَالٌ لا مَعَهُ.

===

شرط مسلم ـ عن أَبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال: أَرسل مروان إِلى أُمِّ مَعْقِلٍ يسأَلها عن هذا الحديث، فحدثت أَنَّ زوجها جعل بَكْراً في سبيل الله، وأَنها أَرادت العُمرة فَسَأَلَتْ زَوْجَها البَكْرَ، فأَبى عليها، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأَمره أَنْ يعطيها فقال: «إِنَّ الحج والعُمرة لَمِنْ سبيلِ الله».

وفي البخاري عن ابن عباس أَنه قال: يعتق الرجل من زكاة ماله ويعطي في الحج. والشاهد في الفِقرة الثانية، أَما الأُولى فليس بالمذهب، وكأَنه مُختارُ ابن عباس. وقد منع علماؤنا والشافعي شراء قريبه بالزكاة ليعتق لأَجلها، لأَن الإِعتاق إِسقاطٌ لا تمليك، ولا بد منه (١) فيها. وجَوَّزه مالك لإِطلاق الرّقاب. قلنا: المراد به المعاونة على أَداء بدل الكِتَابة لِمَا قَدَّمنا.

هذا، ولا يَدفعُ الزكاة إِلى أَغنياء الغزاة والحجاج كما يفهم من قيد الانقطاع. وجوز مالك والشافعي دفعَها إِلى أَغنياء الغزاة لما في «سُنن أَبي داود» و «ابن ماجه» عن أَبي سعيد الخُدْري قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم «لا تَحِلُّ الصدقة لغنيَ إِلاَّ لِخَمسةٍ: العامل عليها، ورجل اشتراها بماله، أَوْ غارم، أَوْ غازٍ في سبيل الله، أَوْ مِسْكِين تُصُدِّقَ بها عليه فأَهداها لِغني».

ولنا ما في أَبي داود والترمذي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أَنَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تَحِلُّ الصدقة لِغنيَ ولا لِذِي مِرَّةٍ سَوِي (٢) ». رواه الحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، إِلاَّ أَنَّ الاستثناء في الحديث الأَول يمنعُ من الاحتجاج بعموم الثاني، لاستلزامه التعارضَ بينهما، وهو خِلاف الأَصل كما عُرِفَ في محله.

(وابْنُ السَّبِيل: أي مَنْ لَهُ مَالٌ لا مَعَهُ) بأَن كان مالُه في بلدٍ آخر. وفي معناه: مَنْ يكون في البلد الذي هو فيه ولكنه غائبٌ عن مالِهِ، لأَنَّ الحاجة هي المعتبرة وقد وجدت، لكونه فقيراً يداً وإِنْ كان غنياً ظاهراً، فيأخذ من الصدقة بِقَدْرِ حاجته. ولا يجوز له أَنْ يَأْخُذ أَكثر منها، والأَوْلى أَنْ يَسْتَقرض إِنْ قَدَرَ، ولا يلزمه ذلك لاحتمال عجزه عن الأَداء. ولو فضل في يده شيءٌ من الصدقة عند قدرته على ماله لا يلزم أَنْ يتصدق به كالفقير إِذا استغنى، والمُكَاتَب إِذا عجز، لأَنها وقعت في مَصْرِفِها عند


(١) أي التمليك.
(٢) المِرَّة: القُوَّة والشِّدَّة. والسَّوِي: الصحيحُ الأَعضاء. النهاية: ٤/ ٣١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>