للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا إِلى غَنِيٍّ،

===

(ولا إِلى غَنِيَ) لما رواه أَبو داود، والنسائي والترمذي وحسنه، عن أَبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إِنَّ الصدقة لا تحِلّ لغني، ولا لذي مِرَّةٍ سَوِي ـ أَي صحيح البدن ـ». والمِرَّة: بكسر الميم وتشديد الراء: القوة، ومنه قوله تعالى: {ذُو مِرَّةٍ} (١) .

وفي «المحيط»: إِنَّ الغِنَى ثلاثة أَنواع: غِنَى يُوجِبُ الزكاة وهو مِلْك نصاب حولي نامٍ (٢) ، وغِنَى يُحَرِّم الصدقة ـ أَي أَخذَها ـ ويوجب صدقة الفطر والأُضحية: وهو ملك ما يبلغ قيمة نصاب من الأَموال الفاضلة عن حاجته الأَصلية، وغِنىً يُحَرِّم السؤال دون الصدقة: وهو أَنْ يكون له قوتُ يومه وما يستر عورته. انتهى. وكذا مَنْ قَدِرَ على تحصيل قوت يومه بِكَسْبه وهو المراد بقوله: «ذي مِرَّةٍ سَوِيَ».

والحاصل: أَنه يحرم سؤال من له قوتُ يومه، وله ما يَقِيه من حرِّه وبرده، لقوله عليه الصلاة والسلام: «ما يزال الرجلُ يسأَلُ النَّاسَ حتى يأْتي (يوم القيامة) (٣) ليس في وجهه مزْعَةُ لحم (٤) ». متفق عليه. وقوله عليه الصلاة والسلام: «مَنْ سأَل الناس وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسأَلته في وجهه خموشٌ، أَوْ خدوش، أَوْ كُدُوح (٥) »، قيل: يا رسول الله وما يغنيه؟ قال: «خَمسونَ دِرْهماً أَوْ قيمتُها من الذهب». رواه أَصحاب السُّنن. وفي رواية: «وما الغِنَى الذي لا تنبغي معه المسأَلة؟ قال: «قَدْر ما يغديه ويعشيه». وفي رواية: «أَنْ يكون له شِبَع يوم وليلة».

وأَمَّا ما أَخَذَهُ مِنْ غير مسأَلة فلا يَحْرُم، لقول عمر: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء، فَأَقول: أَعطه أَفْقَرَ إِليه مِنِّي، فقال: خذه فَتَمَوَّلْه (٦) وتصدّق به، فما جاءك مِنْ هذا المال وأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ (٧) ولا سائل فخذه، وما لا فلا تُتْبِعْهُ نَفْسَك»، متفق عليه.


(١) سورة النجم، الآية: (٦).
(٢) وفي المخطوطة: تام.
(٣) سقط من المطبوعة.
(٤) مُزْعَة: أي قطعةٌ يسيرةٌ من اللحم. النهاية: ٤/ ٣٢٥.
(٥) الكُدُوح: الخُدُوش، وكُلُّ أثَرٍ من خَدْش أَو عَضٍّ فهو كَدْح. النهاية: ٤/ ١٥٥.
(٦) حُرِّفت في المطبوع إلى: فتحوله، وما أثبتناه من المخطوطة، وهو موافق لما في فتح الباري ٣/ ٣٣٧، كتاب الزكاة (٢٤)، باب من أعطاه الله شيئًا من غير مسألة … (٥١)، في سياق شرح الحديث رقم (١٤٧٣).
(٧) الإِشْراف: التعرض للشيء والحرص عليه، من قولهم أَشرف على كذا إِذا تطاول له، وقيل للمكان المرتفع شرفٌ لذلك. فتح الباري ٣/ ٣٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>