للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

الأَعرابي برؤية الهلال: «إِلاَّ مَنْ أَكَلَ فلا يأْكل بَقِيَّةَ يومه، ومَنْ لم يأْكل فَلْيَصُم». فَغَيْرُ مَعْروف. نعم، ورد في الصحيحين عن سَلَمَةَ بنِ الأَكْوعِ: أَنه صلى الله عليه وسلم أَمر رجلاً من أَسْلَم: «أَذِّنْ في الناس أَنَّ مَنْ أَكل فَلْيَصُم بَقِيَّةَ يَوْمِهِ». ـ أَي فَلْيُمْسِك، كما في رواية ـ: ومَنْ لم يكن أَكَلَ فَلْيَصُم، فإِنَّ اليومَ يومُ عاشوراءَ».

وفيه دليل على أَنه كان أَمْرُ إِيجاب قبل نَسْخِه بِرَمَضَانَ، إِذْ لا يُؤْمَرُ مَنْ أَكَلَ بإِمساك بقية اليوم إِلاَّ في يوم مفروض الصوم، بخلاف قضاء رمضان إِذا أَفطر فيه، فعلم أَنَّ مَنْ تَعَيَّنَ عليه صومُ يوم ولم ينوه ليلاً أَنَّه يجزئه نهاراً. وهذا بناءً على أَنه كان واجباً، لما في الصحيحين عن عائشة قالت: «كان يومُ عاشوراءَ يوماً تصومُهُ قُريشٌ في الجاهلية، وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يصومُه، فلما قَدِمَ المدينةَ صامَهُ وأَمر بصيامه، فَلَمَّا فُرِضَ رمضانُ قال: «مَنْ شاء صامه، ومَنْ شاء تَرَكَهُ». قال الطحاوي: فيه دليل على أَنَّ مَنْ تَعَيَّنَ عليه صومُ يومٍ ـ يعني كصوم رمضان، والنَّذْر المُعَيَّن ـ ولم يَنْوِهِ ليلاً، تجزئه النية نهاراً.

ولأَن الأَصل في النية مقارنتها للأداء، وإِنَّما جاز التقدم للضرورةِ، والضرورة موجودة في حَقِّ يوم الشك، وفي حَقِّ المجنون، والمُغْمَى عليه إِذا أَفاق نهاراً، وفي حَقِّ المسافر إِذا قَدِمَ نهاراً، ولا تندفعُ هذه الضرورة إِلاَّ بجواز النيةِ المتأخّرة، فَثَبَتَ أَنَّ الافتراض لا يمنعُ اعتبار النية مُجَزَّأَةً من النهار شرعاً، ويلزمه عدم الحكم بفساد الجزء الذي لم يُقْرَن (١) بها في أَول النهار عن الشارع، بل اعتباره موقوفاً إِلى أَنْ يَظْهَرَ الحالُ من وجودها بعده أَمْ لا، فإِذا وُجِدَتْ ظَهَرَ اعتبارُه عبادة لا أَنَّه انقلب صحيحاً بَعْدَ الحُكْم بالفساد. فبطل ذلك المعنى الذي عيَّناه (٢) لقيام ما رويناه دليلاً على اعتباره شرعاً، وحُمِلَ مرويهما على نفي الكمال كما في أَمثاله من نحو: «لا وضوء لمن لم يُسَمِّ اللهَ» (٣) ، «ولا صلاة لجار المسجد إِلاَّ في المسجد» (٤) ، أَوْ على تقديم النيّة على الليل، فإِنه لو نوى قبل غروب الشمس أَنْ يصوم غداً لا يصح، وإِنَّما


(١) في المطبوعة: يقارن، وما أثبتناه من المخطوطة.
(٢) وفي المخطوطة: عنياه.
(٣) أخرجه أبو داود في سننه ١/ ٧٥، كتاب الطهارة (١)، باب في التسمية على الوضوء (٤٨)، رقم (١٠١). والترمذي في سننه ١/ ٣٧، ٣٨، كتاب الطهارة (١)، باب ما جاء في التسمية (٢٠) رقم (٢٥، ٢٦).
(٤) أخرجه الدارقطني في سننه ١/ ٤٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>