الجار والمجرور، أَي أَفْطَرَ بِظَنَ (أَنَّه) أَي وقت الأَكل (لَيْلٌ) ثم تَبَيَّنَ أَنَّهُ نهار، وهذا شامل للمسأَلتين:
إِحداهما أَنْ يأْكل وهو يَظُنُّ أَنَّ الفجر لم يَطْلُع، وكان قد طَلَعَ.
وثانيهما: أَنْ يأْكُلَ وهو يَظُنُّ أَنَّ الشَّمْسَ غَرَبَتْ، وكانت لم تَغْرُب، فيجب عليه الإِمساك بقيةَ يومه قضاءً لِحَقِّ الوقت وحرمته، لأَن إِفطارَهُ أَوَّلاً حَقٌّ مضمون بالمِثْلِ، ولا يجبُ الكفارة لأَنَّ الجناية قَاصِرة، ولقول أَسْمَاءَ: أَفْطَرْنَا يوماً في رمضان في غَيْمٍ في عهد رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمْس، قال: أُسامَةُ قلت لِهِشَام: أُمروا بالقَضَاءِ؟ قال: وبدٌ (١) من ذلك؟ رواه أَبو داود.
(أَوْ وَصَلَ) من غير الفَمِ (دَوَاءٌ إِلى جَوْفِهِ أَوْ دِمَاغِهِ) بأَنْ دَاوَى آمَّة: وهي الشَّجةُ التي تبلغ أُم الدِّمَاغِ (مِنْ غَيْرِ المَسَامِّ) قَيَّدَ به لأَنه لو وصل إِلى جوفه من المَسَامِّ لا يقضي، كما لو اغتسل بالماء البارد ووجد برده في كبده، وكما لو ادَّهَنَ فوجد أَثر الدهن في بوله، أَوْ اكتحل فوجد طَعْمَ الكُحْلِ في حَلْقِهِ، أَوْ لونِهِ في بُزَاقِهِ.
وصورة وصول الدواء من غير الفم إِلى الجوف: أَنْ يتداوى بِحُقْنَةٍ، أَوْ سَعُوط: وهو الصَّبُّ في الأَنف، أَوْ يُدَاوي جائفةً: وهي الجِرَاحة التي تكون في الجوف، أَوْ تقطر امرأَة دواء في قُبُلِها وهو الصحيح، أَوْ يقطر رَجُلٌ في إِحليله فَيَصِلُ إِلى المَثَانَةِ عند أَبي يوسف خلافاً لأَبي حنيفة، ولو دخل الماء باطنه بالاستنجاء يقضي، ولو أَقطر في أُذُنِهِ دهناً قضى، ولو أَقْطَرَ ماء لا يقضي، ولو استنشق الماء فوصل إِلى دماغه قضى.
وإِنما قلنا: إِنْ الوصول إِلى الجَوْفِ والدماغ من غير الفم والمسام موجب للقضاء وحده، لوجود معنى الفطر وهو صلاح البدن وعدم صورته. وفي «الهداية»: ومَنِ احْتَقَنَ، أَوْ اسْتَعَطَ، أَوْ أَقْطَرَ في أُذُنِهِ أَفْطَر لقوله صلى الله عليه وسلم «الفِطْرُ مِمَّا يَدْخُل»، رواه البيهقي في «سننه الكُبْرَى» عن ابن عباس أَنَّه ذَكَرَ عندَهُ الوضوءَ مِنَ الطعام، فقال: الوضوءُ مِمَّا خَرَجَ وليس مِمَّا دخل، وأَمَّا الفطر فممَّا دخل. ورُوِيَ عن عليَ من قوله، ورُوِي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ولا يَثْبُت.