للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ احْتَلَمَ،

===

الصوم لأَنه ليس له حالةُ مُذَكِّرَةٌ أَنَّه فيه، بخلاف الصلاة فإِنَّ لها هيئةً مذكرةً أَنَّه فيها، فلا يغلب النسيان فيها فلا تلحق به، فيبقى على خلاف القياس، ولا فَرْق بين الفرض والنفل، لأَنَّ النَّصَّ لم يفصِّل.

وعن سفيانَ أَنه إِذا أَكل أَوْ شرب ناسياً لم يُفْطِر، وإِنْ جامع ناسياً أَفطر. وَوَجْهُهُ أَنَّ الجِمَاعَ ليس في معناهما، لأَن زمانَ الصوم زمانُ الأَكل والشرب عادة، (فقد) (١) يُبْتَلى فيه المرء بالنسيان جَرْياً على مُقْتَضَى العادة، وليس وقت الجماع عادة، فقلَّ أن يُبْتَلى فيه، فافترقا. وجوابه ما قدمناه. ولو أَكَل عامداً بعد أَكْلِه ناسياً لا كفارة عليه وإنْ علم ببقاء الصومِ في ظاهر الرواية عن أَبي حنيفة، وعنه أَنَّه تجب، وبه قالا، لأَنه اشتباه بلا شبهة، وهذا لأَنَّ ظَنَّهُ مَدْفُوع لقوله صلى الله عليه وسلم «تمَّ على صَوْمِكَ» (٢) فلا يبقى شبهة، وَوَجْهُ الظاهر عنه قِيَامُ الشُّبْهَةِ الحُكْمِيةِ نظراً إِلى القِيَاسِ، ولا تنتفي هذه الشبهةُ بالعلم، لأَن خبر الواحد لا يُوجِبُ العلم إِنما يوجب العمل، فلا تنتفي به الشبهةُ.

(أَوْ احْتَلَمَ) لما روى الترمذي، عن أَبي سعيد الخُدرِيّ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم «ثَلَاثٌ لا يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ: الحِجَامَةُ والقَيْء ـ أَي الغالب ـ والاحْتِلامُ». وفي سنده عبد الرحمن بنُ زيد بن أَسْلَم وهو ضعيف. ورواه البَزَّارُ في «مسنده» عن ابن عباس قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم «ثلاثةٌ لا يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ: القيءُ، والحجامةُ، والاحتلام». ثم قال: وهذا من أَحْسَنِها إِسناداً، وأَصَحِّهَا إِلاَّ أَنَّ عبد العزيز لم يكن بالحافظ. ورواه الطبراني عن ثَوْبَان، أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وذَكَر الحديث. وقال: لا يُرْوَى هذا الحديثُ عن ثَوْبان إِلاَّ بهذا الإِسناد، وقد تَفَرَّدَ به ابنُ وَهْب، فَقَدْ ظهر أَنَّ هذا الحديث يجِب أَنْ يرتقي إِلى درجة الحَسَنِ لِتَعَدُّدِ طُرُقِهِ، وضَعْفُ إِسناده إِنَّمَا هو مِنْ قِبَلِ الحِفْظِ لا العدالة، (فالتضافر دليل الإِجادة في خصوصه) (٣) . ومما يؤيده روايةُ أَبي داود: «لا يُفْطِرُ مَنْ قاء، ولا مَنْ احْتَلَم، ولا مَنْ احْتَجَم». لقول ابن عباس: احتجم


(١) ما بين الحاصرتين زيادة من المخطوطة.
(٢) الحديث أخرجه البخاري في صحيحه (فتح الباري) ٤/ ١٥٥، كتاب الصوم (٣٠)، باب الصائم إذا أكل … (٢٦)، رقم (١٩٢٣) ومسلم في صحيحه ٢/ ٨٠٩، كتاب الصوم (١٣)، باب أكل الناسي وشربه … (٣٣)، رقم (١٧١ - ١١٥٥). بلفظ: " … فليتم صومه … "، ولابن حبان في صحيحه (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) ٨/ ٢٨٨ - ٢٨٩، كتاب الصوم، باب قضاء الصوم، رقم (٣٥٢٢)، بلفظ "أتم صومك".
(٣) في المطبوعة: فالتظافر في خصوصه دليل الإِجادة، وما أثبتناه من المخطوطة و"فتح القدير" ٢/ ٢٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>