للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والقيءُ دَمًا رقيقًا إِن احمرَّ به البُزاقُ لا إِن اصفرَّ به، وغيرَهُ

===

يجري من الجُرح على سبيل الدَّفق حتى لا يُصيبُ شيئاً مِنْ ظاهر بدنه، وإن كان كذلك فهو أمرٌ عَجِيب. انتهى. ومع هذا لا يَنْهضُ حجةً إلا إذا ثَبَتَ اطِّلاعُ النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة الرجل وتقريُرُه له عليها.

ولنا ما روى الدارقطنيُّ فى «سننه» عن تمِيمٍ الداريِّ، وابنُ عَدِيَ في «كامله» عن زيدِ بن ثابت: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الوضوءُ مِنْ كلِّ دمٍ سائل». وروى البخاري عن عائشة أنَّ فاطمة بنت أبي حُبَيش جاءت إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقالت: إني أُستحاضُ فلا أَطْهُر، أفأدَعُ الصلاة؟ فقال: «لا، إنما ذلكِ عِرْقٌ، وليسَ بالحَيْضة، فإذا أقبَلَت الحَيْضةُ فدَعِي الصلاة، وإذا أدْبَرَتْ فاغْسلِي عنكِ الدَّم، وتوضَّئي لكل صلاة». فنبَّه عليه الصلاة والسلام على العِلَّة المُوجِبةِ للوضوء، وهو كونُ ما يَخْرجُ منها دَمَ عِرْقٍ، وهو أعمُّ من أن يكون خارجاً من السبيلينِ أو غيرِهِما، ثم أمَرَها بالوضوء لكلّ صلاة.

وقد قالوا: مَنْ رَمِدَتْ عَيْنُه وسال الدمُ منها وجَبَ عليه الوضوءُ، فإذا استمرَّ فلِوَقْتِ كلِّ صلاة. وأمَّا ما رواه الدارقطني من أنه عليه الصلاة والسلام «احتَجَم وصلَّى ولم يَتوضَّأ، ولم يَزِدْ على غَسْل مَحاجِمِه» فضعيف.

(والقيءُ) بالرفع عَطفٌ على ما خَرَجَ، والواوُ بمعنى أو. وقولُه: (دَماً) مفعول، لأنه مَصدَرُ قَاءَ يقِيءُ (رقيقاً) فإنَّه حينئذٍ يكون مِنْ قَرْحةٍ في الجوف وقد وَصَل إلى ما يُطَهَّر (إِنْ احمَرَّ بهِ البُزاقُ) لأنَّ الدم حينئذٍ غالبٌ أو مُساوٍ، فيكون سائلاً بقوَّةِ نَفْسِه فيُعتَبَر (لا إِنْ اصفَرَّ به) لأنه حينئذٍ مغلوبٌ فيكون سائلاً بقوَّةِ غيره فلا يُعتَبر (١) .

(وغيرَهُ) بالنصب عَطفٌ على دَماً والضميرُ له، أي والقيءُ غيرَ دم، وهو شاملٌ للطعامِ والماءِ والمِرَّةِ والدَّمِ الغليظة.

وقال أحمدُ: يَنْقُضُ القيءُ الفاحش، وقال مالك والشافعي: لا يَنْقُض القيءُ مطلقاً لِمَا صحَّحه الترمذي من حديث صفوانَ بن عسَّال (٢) قال، «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمُرنا إذا كنا سَفْراً أن لا نَنْزِعَ خِفافنَا ثلاثة أيام وليالِيَها إلا مِنْ جنابة، ولكن مِنْ غائطٍ وبولٍ ونوم»، فلم يَذْكُر القيءَ، فلو كان حدَثاً لذكره.

ولنا ما روى أبو داود والنسائي والترمذيُّ وقالَ: أصحُّ شيءٍ في الباب، والحاكمُ


(١) في هامش المخطوطة: وفي الظهيرية: ولو كان في البزاق عروق الدم فهو عفو.
(٢) جاء في المطبوعة: "غسان" وهو تحريف، والتصحيح من المخطوطة وسنن الترمذي ١/ ١٥٩، كتاب الطهارة (١)، باب المسح على الخفين للمسافر والمقيم (٧١)، رقم (٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>