في «مستدركه» وقال: صحيحٌ على شَرْط الشيخين ولم يخرجاه، من حديث مَعْدانَ بن أبي طلحة عن أبي الدرداء: أنَّ النبيّ عليه الصلاة والسلام قاءَ فتوضَّأ فلقيتُ ثَوبانَ في مسجد دمشق فذكرتُ ذلك له، فقال: صَدَقَ، وأنا صببتُ له وَضوءَه.
وأُجيبَ عن حديث صفوان بإنه إنما لم يُذْكَر القيءُ فيه لقلَّة وقوعِه، ولذا لم يُذْكر فيه الإِغماءُ والجنونُ. وقد روى ابنُ ماجه عن عائشة مرفوعاً:«من أصابه قَيءٌ، أو رُعافٌ، أو قَلَسٌ، أو مَذْيٌ فليَنصَرفْ وليتوضَّأ ثم ليَبْنِ على صلاته وهو في ذلك لا يَتكلَّم» وفي روايةِ الدارقطني: «ثم ليَبْنِ على صلاته ما لم يتكلَّم»، والحديثُ هذا وإن كان مرسَلاً، لكنه حُجَّة عندنا وعند الجمهور، لا سيما ويَعضُده حديثُ مَعْدان، والله المستعان. وروى الدارقطني: أنه عليه الصلاة والسلام قال: «القَلَسُ حَدَثٌ». والقَلَسُ ـ محرَّكة ويُسكَّن ـ الخارج مع الغَثَيان، والقيءُ مع سكونِ النَّفْس أو الأعمُّ، والله تعالى أعلم.
وأمَّا قولُ صاحب «الهداية» في دليل الشافعي: على أنَّ الخارج من غير السبيلين لا يَنْقُض الوضوءَ لِمَا رُوي أنه عليه الصلاة والسلام «قاءَ ولم يتوضأ» فليس له أصل. وأمَّا حديثُ ابن جُرَيج عن أبيه كما رواه الدارقطني فقد ذكَرَ البيهقي عن الشافعي: أنَّ هذه الرواية ليست بثابتة عن النبي عليه الصلاة والسلام.
ومن الغريبِ ما ذكره القاضي أبو العباس من أنَّ إمامَ الحرمين في «النهاية» والغزالي في «البسيط» ذكَرَا أنَّ هذا الحديث مَرويٌّ في كتب الصحاح، قال: وهو وَهَمٌ منهما، ولا معرفةَ لهما بالحديث لأنهما ليسا مِنْ أهل هذا الشأن. وأمَّا ما رواه الدارقطني عن ثوبان: أنَّ رسول الله عليه الصلاة والسلام قاءَ فَدَعَا بِوَضوئِهِ، فقلتُ: يا رسول الله أفريضةٌ الوضوءُ مِنْ القيء؟ قال:«لو كان فريضةً لوجدتَه في القرآن». فقال (١) : لم يَروه عن الأوزاعي غيرُ عُتبة بن السَّكَن، وهو متروك.
ومِن أدلَّتِنا ما في «موطَّأ مالك» عن نافع عن ابن عمر: أنه كان إذا رَعَف رجَعَ فتوضَّأ ولم يتكلَّمْ، ثم رَجَع وبَنَى على ما قد صلَّى، وما في «مصنَّف عبد الرزَّاق» عن الثوري، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي رضي الله عنه قال: إذا وَجَدَ أحدُكم رِزّاً أو رُعَافاً أو قَيْئاً فلينصرِفْ وليتوضَّأ، فإن تكلَّم استقبل وإلاَّ اعتدَّ لِمَا مضى. وفيه عن سلمان مثلُه، وفي «مسند الشافعي» عن ابن عُمَر نَحوُه. والرِّزُّ بكسر الراء وتشديد الزاي: القَرَقَرَةُ، وقيل: هو غَمْزُ الحدَثِ وحَرَكتُهُ للخروج، كذا في «النهاية»، وقال