للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِن مَلأ الفمَ

===

السيوطي: هو صوتٌ خَفيّ، وفي «القاموس»: صوتٌ تَسمعه من بعيدٍ أو أعمُّ.

وقولُ من نَفَى صِحَّة حديثٍ في نقضِ الوضوءِ بالدمِ والقيءِ والضحكِ إن سُلِّمَ لم يقدح في صحة الاحتجاج، لعدمِ توقُّفه على صِحَّةَ الحديثِ إذ الحُسْنُ كافٍ، على أنها قد تحْصُل من العَدَدِ المجتمِع، كما في المتواترِ المعنوي، مع أنه رأيٌ من النافي لها، وهو لا يَمنعُ رأيَ مثلِهِ من الصحيح بالنسبة إليه عند غلبةِ ظنِّه.

(إِنْ مَلأ) أي القيءُ (الفمَ) بأن لم يُمكِنْ ضبطُه إلا بكُلفة. وقيل: بأنْ لم يُمكِن معه الكلام. وقال زُفَر: قليلُ القيء ككثيره اعتباراً بالخارج من السبيلين. ولنا: ما رويناه مقيَّداً بالسَّيَلان (١)، وما رواه البيهقي في «الخلافيات» من قوله عليه الصلاة والسلام: «يُعادُ الوضوءُ من سَبْعٍ: من إقطارِ البولِ، والدَّمِ السائل، والقيحِ، ومن دسْعةٍ تَملاء الفم، ونومِ المضطجِعِ، وقهقهةِ الرجل في الصلاة، وخروجِ الدم»، ولا يَضرُّ ضعفُ سهلِ بن عفَّانَ والجارودِ بن يزيد لوجود أصل الحديث عند غيرهما. والدَّسْعةُ: الدَّفعةُ الواحدة من القيء على ما في «النهاية».

وأمَّا ما ذكره صاحب «الهدايةَ» من قول علي رضي الله عنه حين عَدَّ الأحداث: «أو دَسْعَةٍ تَملأ الفم» فهذا اللفظُ عن علي رضي الله عنه ليس له أصل.

ويَنتقِضُ بمصّ قُرَادٍ (٢) وشُربِ الذُّبابِ دمَ جُرْح بحيث لو شُرِطَ القُرَاد (٣) أو تُرِكَ دمُ الجرح لسالَ، لا بسُقوطِ لحمٍ ودُودٍ منه لعدمِ نجاسة الدُّود في ذاته واللحمِ في أصله.

وأمَّا قيءُ الدم المائع فناقضٌ عند أبي حنيفة رحمه الله وإن لم يَملأ الفم، وشَرَط محمد مِلْئه، وعن أبي يوسف أنه إن كان من قَرْحة نَقَض مطلقاً، وإن كان من الجوف لا يَنْقُض حتى يملأ الفم. وفي «النوادر». لو قاء مراراً كلَّ مرَّة دون ملء الفم والمجموعُ قد ملأه قال أبو يوسف: يَنقُضُ إذا اتحد المجلس، لأن اتحاده يَجمع المتفرقات كما في سجدة التلاوة. وقال محمد: إن اتحد السببُ وهو الغَثَيان، لأن الأصل إضافة الفعل إلى سببه، وهو الأصحُّ كما في «الكافي».

ولو أرخينا العِنَان، وجعلنا الأدلة تتعارض في مَيدان البيان، فإنْ جَمَعنا بينها فهو


(١) راجع ص ٦١. يريد حديث: "ليس في القطرة والقطرتين … ".
(٢) القُراد: دُوَيْبَّةٌ معروفة تَعَضُّ الإبل. تاج العروس ٩/ ٢٦، مادة (قرد).
أطلق الشارح هنا نقض الوضوء بمصِّ القراد، كبيرًا أو صغيرًا، والصواب تقييده بالكبير كما نص عليه في "رد المحتار على الدر المختار" ١/ ٩٤: "إن كان كبيرًا نقض وإلا لا ينقض".
(٣) شُرِطَ: شُقَّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>