للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأَقَلُّهُ يَوْمٌ، فَيقْضِي مَنْ قطعه فِيهِ. ولا يَخْرُجُ منه إِلَّا لحاجةِ الإِنسانِ أَوْ الجُمُعَةِ بَعْدَ الزَّوَال.

ومَنْ بَعُدَ مَنْزِلُهُ فَوَقْتًا يُدْرِكُهَا، ويُصَلِّي السنن، ولا يَفْسُدُ بِمُكْثِهِ في الجامع أَكثر منه

===

أَسْمَعُ ـ عن ليلةِ القَدْرِ، قال: «هي في كلِّ رمضانَ».

(وأَقَلُّهُ يَوْمٌ) في الواجب، وفي النفل ـ على رواية الحسن ـ وشَرَطَ أَبو يوسف أَكثر النهار، وأَما على قول رواية «الأَصل»، وقول محمد ومذهب الشافعي: فأَقَلُّهُ ساعة ولو مِنَ الليل، وبهِ يُفْتَى، لأَنه مُتَبَرِّع فكان تقدير زمانه إِليه، والساعة: في عُرْفِ الفقهاءِ جُزْءٌ من الزمان، لا جُزْءٌ من أَربعةٍ وعِشْرينَ من يوم وليلة كما يقوله المنجمون.

(فَيَقْضِي مَنْ قطعه) أَي الاعتكاف (فِيهِ) أَي في ذلك اليوم (ولَا يَخْرُجُ) المُعْتَكِفُ (منه) أَي من المسجد (إِلاَّ لحاجةِ الإِنسانِ) ـ وهي البول والغائط ـ ولا يمكث في منزله بَعْد فَرَاغه من طُهُورهِ، لأَنَّ الثابت بالضرورة مُقَدَّرٌ بِقَدْرِهَا، لِمَا في الكتب الستة عن عائشةَ قالت: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذا اعتكفَ لا يَدْخُلُ البيتَ إِلاَّ لِحَاجَة الإِنسان.

(أَوْ الجُمُعَةِ) لأَنَّها من أَهَمِّ الحَوَائِجِ (بَعْدَ الزَّوَال) لأَنَّ الخطاب بالوجوب يَتَوَجَّهُ حينئذ، وهذا لِمَنْ قَرُبَ مَنْزِلُهُ وكان بحيث إِذا خرج بعد الزوال وصلى السُّنَّةَ لا تفوته الجمعة.

(ومَنْ بَعُدَ مَنْزِلُهُ فَوَقْتاً) أَي فَيَخْرُجُ وَقْتاً (يُدْرِكُهَا، ويُصَلِّي السنن) أَرْبَعَاً قبلها. (ولا يَفْسُدُ) اعتكافُه (بِمُكْثِهِ في الجامع أَكثر منه) أَي مِمَّا ذكر، لأَنَّهُ موضع اعتكاف، إِلاَّ أَنَّه التَزَمَ الاعتكافَ في مسجد فالأَوْلى أَنْ لا يفعل شيئاً من اعتكافه في غيره (١) إِلاَّ من ضرورة، والخُرُوجُ للجُمُعَةِ فيه خلاف مالك والشافعي، فلهما أَنَّ الخُرُوج ضِدُّ اللَّبْثِ فَيُفْسِدُه (٢) إِلاَّ فيما تُحَقَّقُ الضرورةُ فيه، ويُمْكِنُهُ أَنْ يعتكف في الجامع فلا ضرورة له في الخروج.

ولنا أَنَّهُ مَأْمُورٌ بالخُرُوج للجمعة فصار مستثنى عن نَذْرِهِ كالخروج للحاجة، بل أَوْلى لأَنها حاجة دينية. وقولهما يمكنُهُ الاعتكافَ في الجامع مدفوع بأَنَّ الاعتكاف في سائر المساجد مشروع لقوله تعالى: {ولا تُبَاشِرُوهُنَّ وأَنْتُمْ عَاكِفُون في المَسَاجِدِ} (٣) ،


(١) أي في غير المسجد المعتكف فيه.
(٢) أي الاعتكاف.
(٣) سورة البقرة، الآية: (١٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>