للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإِنْ خَرَجَ ساعةً بلا عُذْر، فَسَدَ. ويَأْكُلُ ويَشْرَبُ ويَنَامُ ويَبِيعُ ويَشْتَرِي فيهِ بِلا إِحْضَارِ مَبيع فيهِ، لا غَيرُه

===

وإِذا صَحَّ الشُّرُوعُ وقدْ مَسَّتِ الضرورةُ أُطْلِقَ له الخروجُ، ولو أَقام فيه أَكثر من ذلك لا يَفْسُدُ اعتكافُه، لأَن المُفسِد له الخروجُ من المسجد لا المكث فيه.

(وإِنْ خَرَجَ ساعةً بلا عُذْر فَسَدَ) اعْتِكَافُهُ عند أَبي حنيفة، وهو القياس لوجود المُنَافي، وقالا: لا يَفْسُدُ حتى يكونَ أَكثر من نصف يوم، لأَن في القليل ضرورةً، ولا ضرورةَ في الكثير، وفيه أَنْ لا ضرورة في مطلق القليل فتأمل في صحة التعليل. ولو خرج لإِنجاء غريق، أَوْ حَرِيق، أَوْ لأَداء شهادة، أَوْ لِنَفِيرٍ عَام، أَوْ لجنازة، أَوْ لعيادة فَسَدَ اعتكافُه فيقضيه. ولو خرج لانهدام المسجدِ، أَوْ تَفَرُّقِ أَهْله بحيث بطلت الجماعة عنه، أَوْ لإِخراج ظالم له كرهاً أَوْ لِخَوفٍ على نفسه أَوْ ماله من المكابرين لا يفسد، فَيَصحّ أَنْ يَبْنِي عليه.

(ويَأْكُلُ) المُعْتَكِفُ (ويَشْرَبُ ويَنَامُ) ـ لأَن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يكن له مأْوى إِلاَّ المسجد ـ، أَي وهو مُعْتَكِفٌ، ولأَنه يمكن قضاء هذه الحاجات فيه، فلا ضرورةَ إِلى الخروج.

(ويَبِيعُ ويَشْتَرِي فيهِ) أَي في المسجد، لأَنه قد يحتاج إِلى ذلك (بِلَا إِحْضَارِ مَبيع فيهِ) لأَنَّ المسجد مُحْرَزٌ عن حقوق العباد. وفي «الذخيرة»: هذا فيما لا بد منه، وأَمَّا البيع والشراء للتجارة فَيُكْرَهُ، لأَنَّ المُعْتَكِفَ مُنْقَطِعٌ إِلى الله تعالى فلا يشتغلُ بالدنيا.

(لا غَيْرُه) أَي لا يفعل غيرُ المُعْتَكِفِ شيئاً من هذه الأُمور في المسجد، لما روى الترمذي والحاكم ـ وقال: على شرط مسلم ـ عن أَبي هريرة قال: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ رَأَيْتُمُوهُ يبيع ويشتري في المسجد، فقولوا له: «لا أربح اللهُ تجارَتَك، ومَنْ رأَيتموه ينشد ضالةً في المسجد فقولوا له: لا رَدَّ اللهُ عَلَيْكَ». ولقوله عليه الصلاة والسلام: «جَنِّبُوا مَسَاجِدَنا، صِبْيَانَكُم، ومَجَانِينَكُم، وبَيْعَكم، وشِرَاءَكُم، وخُصُومَاتِكم، ورَفْعَ أَصواتِكم، وإِقَامَةَ حُدُودِكُم، وسَلَّ سُيُوفِكُمْ، واتَّخِذُوا على أَبوابِها المَطَاهِرَ (١) ، وجَمِّرُوهَا (٢) في الجُمَع». رواه ابن ماجه في «سُنَنِهِ»، والطَّبَرَانِيُّ في «مُعْجَمِهِ». ويُكْرَهُ استطراقُ (٣) المسجد إِلاَّ لِعُذْرٍ، فينبغي أَنْ ينوي الاعتكافَ ساعةً.


(١) المطاهر: محالّ يتوضأ فيها المحتاج ويقضي حاجته.
(٢) التجمير: التبخير بالطِّيب. معجم لغة الفقهاء ص: ١٢١، بتصرف.
(٣) الاستطراق: المرور. معجم لغة الفقهاء ص: ٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>