للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَحَرُمَ تَأْخيرُ الإِحرام عنها لِمَنْ قَصَدَ دُخُولَ مَكَّةَ

===

جُرَيْج: قلت لعطاء: «إِنَّهم يَزْعُمون أَنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يُوَقِّتْ ذَاتَ عِرْق»، وإِنَّه لم يكن أَهلُ مَشْرِق يَوْمَئِذٍ، فقال: كذلك سَمِعْنا أَنه صلى الله عليه وسلم وَقَّتَ لأَهلِ المَشْرِق ذَاتَ عِرْق». قلت: ولَعَلَّهُ ما بَلَغَ عُمَرَ رَضِيَ الله عنه، فيكون من جملة موافقاتِهِ له صلى الله عليه وسلم

ولو سلك في البَرِّ والبحر بين ميقاتين، اجتهد وأَحرم إِذا حَاذَى واحداً منهما، وإِحْرَامُه مِنْ أَبعدهما أَوْلى. ولو لم يُحْرِم المَدَنِي، ومَنْ بمعناه، من ذي الحُلَيْفَة، وأَحرَمَ من الجُحْفَة، لا شيء عليه وكُرِهَ وفاقاً. وعن أَبي حنيفة يلزمه دَمٌ، وبه قال الشافعي. لكنَّ الظاهر هو الأَول، لما رُوِي في الحديث من قوله عليه الصلاة والسلام: «هُنَّ لَهُنَّ ولِمَنْ أَتى عليهن من غَيْر أَهْلِهِنَّ». فَمَنْ جاوز إِلى الميقات الثاني صار ميقاتاً له.

(وَحَرُمَ تَأْخيرُ الإِحرام عنها) أَي عن هذه المواقيت وعن ما حذاها (لِمَنْ قَصَدَ دُخُولَ مَكَّةَ) أَوْ الحَرَم، سواء قَصَدَ الحَجَّ أَوْ العُمْرَة أَوْ لم يقصد أَحَدَهُمَا، فإِنْ دخل بلا إِحرام فعليه حجة أَوْ عمرة لوجوب الإِحرام منها (١) لأَحَد النُّسُكَيْن، ولزم الدَّمُ بالتأخير، واحترز به عَمَّن قَصَدَ موضعاً دون الحرم، كبُسْتَان بني عامر ونحوه، سواء نوى الإِقامة فيه خمسة عشر يوماً أَوْ لم يَنْوِ فإِنه (يجوز له) (٢) مجاوزة الميقات بغير إِحرام، ويصير كأَهْلِ ذلك الموضع. ومذهب مالك: يجوز مجاوزة الميقات بغير إِحرام للذي يكثر تَرْدَادُه إِلى مكة كأَهلها والمقيمين بها، الذين يخرجون للمعاش، دون أَهل الآفاق الذين إِنَّما يَقْصِدُونها لحاجة أَوْ تجارة.

ومذهب الشافعي على طريقين: أَحدهما يحكِي القَطْع بالاستحباب فيمن يَقْصِدُ مَكَّةَ لحاجة أَوْ تجارة أَوْ رسالة، وأَصحهما يحْكي قولين: أَحدهما لزوم الإِحرام، والآخر استحبابه وهو أَظهرهما. لهما ما روى مسلم والنَّسائي من حديث جابر: «أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم دخل يوم فَتْحِ مَكَّةَ، وعليه عِمَامَةٌ سوداءُ، بغير إِحرام».

ولنا ما قدمنا، وما روى ابن أَبي شيبةَ، عن عبد السلام بن حَرْب، عن خُصَيْف، عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس: أَنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا تُجَاوِزُوا الميقاتَ إِلاَّ بالإِحرام». وهو لِكَونِهِ منطوقاً أَولى مِنْ أَخْذِ الشافعي بمفهوم قوله صلى الله عليه وسلم مِمَّنْ أَراد الحج والعمرة. ودُخُولُه صلى الله عليه وسلم عام الفتحِ بغير إِحرام حُكْمٌ مخصوص له ولأَصحابه بذلك الوقت، ولذا قال صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم: «إِنَّها ـ أَي مكةَ ـ لا تَحِلُّ لأَحَدٍ قَبْلِي ولا تَحِلُّ


(١) أي المواقيت.
(٢) ما في المطبوعة: يجزئه، وما أثبتناه من المخطوطة.

<<  <  ج: ص:  >  >>