للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا التَّقْدِيمُ، وحَلَّ لأَهْلِ دَاخِلِهَا دُخُولُ مكةَ غَيْرَ مُحْرِمٍ،

===

لأَحَدٍ بعدي، وإِنَّما حَلَّتْ لي ساعةً مِنْ نهار، ثُمَّ عادَتْ حَرَاماً» (١) . يعني في الدخول بغير إِحرام للإِجماع على حِلِّ الدُّخُولِ بعده صلى الله عليه وسلم للقِتال مع الإِحرام.

(لا التَّقْدِيمُ) أَي لا يَحْرُم تقديمُ الإِحرام على هذه المواقيت، بل هو أَفضل إِذا كان في أَشهر الحج، وأَما فيما قبله فمكروه، لما روى الحاكم من حديث عبد الله بن سَلَمَة المُرَادي قال: «سُئِل علي رَضِيَ الله عنه عن قوله تعالى: {وأَتِمُّوا الحَجَّ والعُمْرَةَ لِلَّهِ} (٢) ، أَي من الإِتمام بمعنى الإِكمال، قال: أَنْ تُحْرِمَ من دُوَيْرَةِ أَهلك». وقال: صحيح على شرط الشيخين. وقد رُوي أَيضاً من حديث أَبي هريرة مرفوعاً، ونُظِرَ فيه. ولكن يَشْهَدُ له قوله صلى الله عليه وسلم «مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ من المسجد الأَقصى إِلى المسجد الحرام، غُفِر له ما تَقَدَّم من ذنبه وما تأَخر، وَوَجَبَتْ له الجنةُ». رواه أَحمد، وأَبو داود، وابن ماجه. ولأَنه أَكثر تعظيماً وأَوْفر مشقةً، والأَجْر على قَدْرِ المَشَقَّةِ. ولذا كانوا يستحبون الإِحرام بهما من الأَماكن القاصية، فَرُوي عن ابن عمر أَنَّه أَحْرَم من بيت المقدس، وعِمْران بن حُصَيْن من البصرة، وابن مسعود من القادسية، وابن عباس من الشام.

وأَما قول صاحب «الهداية»: إِنْ الرواية عن ابن مسعود كعلي في تفسير قوله تعالى، فغير معروف، وإِنَّما رواه البَيْهَقِيُّ عنه، قال: «أَتموا الحج والعمرة لله».

وعن أَبي حنيفة: أَنْ تقديم الإِحرام على الميقات لا يكون أَفضل إِلا لِمَنْ أَمِنَ على نفسه الوقوع في محظور الإِحرام. وكره مالك تقديم الإِحرام على الميقات، اعتباراً له بتقديمه على أَشْهر الحج. والجواب ما قدمناه في شَبَهِ الإِحرام بالرُّكْن.

(وحَلَّ لأَهْلِ دَاخِلِهَا) أَي داخل المواقيت، وكذا لِمَنْ هو مَنْزِلُه في نفس الميقات (دُخُولُ مكةَ غَيْرَ مُحْرِمٍ) لأَن دخولهم إِليها يكثر، وفي إِيجاب الإِحرام عليهم كُلَّ مرة حَرَجٌ. ولقول ابن عباس: «إِنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ للحطَّابين أَنْ يدخلوا مكَّة بغير إِحرام. والظاهر أَنَّهم لا يجاوزون الميقات، فدل أَنَّ كل مَنْ هو داخل الميقات له أَنْ يدخل مكة بغير إِحرام. وقد خرج ابن عمر من مكة يريد المدينة، فلما انتهى إِلى قُدَيْد بَلَغَتْهُ فتنة المدينة فرجع إِلى مكة ودخلها بغير إِحرام.


(١) صحيح البخاري (فتح الباري): ٥/ ٨٧، كتاب اللقطة (٤٥)، باب كيف تُعَرَّف لقطة أهل مكة؟ (٧)، رقم (٢٤٣٤).
(٢) سورة البقرة، الآية: (١٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>