للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والجنونُ، وقهقهةُ بالغٍ في صلاةٍ مُطْلَقةٍ،

===

وإنما يَنتقِضُ وضوؤه بالغَلَبةِ على العقل، لأنها فوق النوم مضطجعاً، ولهذا كانت ناقضةً في جميع الأحوال، ألا تَرى أنّ المُغْمَى عليه لا يَنتبه بالتنبيه بخلاف النائم.

(والجنونُ) وهو عِلَّةٌ تُزيل العقلَ وتَسْلبه، وهو أقوى مما قبله.

(وقهقهةُ بالغٍ) عمداً كان أو سهواً، وهي ما تكون مسموعةً له ولجيرانه، سواءٌ ظهرت أسنانُهُ أوْ لا. والضحِكُ: ما يكون مسموعاً له دون غيرهِ، وتَبْطُلُ به الصلاةُ دون الوضوء. والتَّبَسُّمُ: ما لا يُسْمَعُ أصلاً، وليس بمُبِطلٍ لواحدٍ منهما. وقَيْدُ «بالغٍ» لأنَّ قهقهة الصبيّ لا تُبطِلُ وضوءه وتُبطِلُ صلاتَهُ.

(في صلاةٍ مُطْلَقةٍ) أي ذاتِ ركوعٍ وسجود أو ما يقوم مقامَهما من الإِيماء، فلا تَنْقضُ القهقهةُ في صلاة الجنازة ولا في سَجْدة تلاوة، وتَنقُضُ في نافلةٍ على الدابَّة.

وقال مالك والشافعي وأحمد: لا تَنقُضُ القهقهةُ وضوءاً، لأنها لو نَقَضتْ في الصلاةِ لنقضَتْ خارجَها، وفي صلاةِ الجنازةِ وسجدةِ التلاوةِ كباقي النواقض.

ولنا أنَّ القياس ما ذكروه ولكن تركناه ـ فيما إذا كانت القهقهةُ في ذاتِ ركوعٍ وسجود ـ بما رواه الدارقطنيُّ عن أبي هريرة وعِمرانَ بن حُصَين، والطبرانيُّ عن أبي موسى الأشْعَري واللفظُ له قال: بينما رسولُ الله عليه الصلاة والسلام يُصلِّي بالناس إذْ دَخَل رجلٌ فتردَّى ـ أي وقَعَ ـ في حُفرةٍ كانت في المسجد، وكان فِي بَصَرِهِ ضَررٌ، فضَحِكَ كثيرٌ من القوم وهم في الصلاة، فأمَرَ رسولُ الله عليه الصلاة والسلام مَنْ ضَحِكَ أن يُعيد الوضوءَ والصلاةَ.

ولنا أيضاً ما قدَّمنا (١) مِنْ قولِهِ عليه الصلاة والسلام: «يُعادُ الوضوءُ من سَبْع»، وقولُهُ: «مَنْ ضَحِكَ في الصلاةِ قهقهةً فليُعِدِ الوضوءَ والصلاةَ»، فإنَّه رُوِيَ مُرسَلاً ومُسنَداً، وقد اعتَرَفَ أهلُ الحديث كلُّهم بصحَّتِه مُرسَلاً، والمُرسَل حجَّةٌ عندنا وعند الجمهور. وأمَّا رِوايتُهُ مُسنَداً، فعن عِدَّةٍ من الصحابة كابنِ عُمَر، ومَعْبَدٍ الخُزاعي، وأبي موسى الأشْعَري، وأبي هريرة، وأَنس، وجابر، وعِمران بن حُصَين، وقد اسْتَوفَى صاحبُ التخريج الكلامَ على الطُّرقِ كلِّها (٢) ، ونَقتصرُ منها على طريقينِ:

طريقِ ابنِ عُمَر، وهو ما رَوَى ابنُ عَدِي في «الكامل» من حديث عَطِيَّة بن بَقِيَّة:


(١) في ص ٦٤.
(٢) يقصد الحافظ الزيلعي في "نصب الراية" ١/ ٤٧ - ٥٤. وانظر "عمدة القاري".

<<  <  ج: ص:  >  >>