للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَوْ كَانَ نَائِمًا أَو مَارَّاً، أَوْ مُغْمىً عَلَيْهِ، أَوْ أَهَلَّ عَنْهُ رَفِيقُهُ، أَوْ جَهِلَ أَنَّها عَرَفَةُ.

وإِذَا غَرَبَتِ أَتى مُزْدَلِفَةَ - وكُلُّهَا مَوْقِفٌ إِلاَّ وَادِي مُحَسِّر -

===

فإِن قيل: الطَّوافُ والوقوفُ رُكْنا الحَجِّ، فما الفَرْقُ بينهما، حيث لم تُشْتَرطُ النيةُ في الوقوف، وشُرِطت في الطواف، حتى لو طاف هَارِباً من عَدُوَ، أَوْ طَالِباً لغريم لا يُجْزِئه؟ أُجِيب بأَنَّ النيةَ عند الإِحرام تضمّنت جميعَ ما يُفْعَلُ فيه، والوقوفُ يُفْعَلُ فيه مِنْ كُلِّ وجه فاكْتُفِي فيه بتلك النية، والطواف يُفْعَلُ فيه من وَجْهٍ دونَ وَجْهٍ لأَنه يُفْعَلُ بعد التَّحَلُّلِ الأَوَّلِ، فاشْتُرِط فيه أَصلُ النية دون تعيينها عملاً بالشَبَهَين.

(وَلَوْ كَانَ نَائِماً أَوْ مَارَّاً (١) أَوْ مُغْمىً عَلَيْهِ أَوْ أَهَلَّ) أَي أَحرم (عَنْهُ رَفِيقُهُ) بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْر أَمْرِهِ، وهو قول أَبي حنيفةَ. وقالا: لا بد أَنْ يكون بأَمْرِه (أَوْ جَهِلَ أَنَّها عَرَفَةُ) وهذا من كمال توسعة الله على عِبَاده. ولم يفرض علماؤنا والشافعي ( ١) وقوفَ جزءٍ من الليل، وفَرَضَه مالكٌ لقوله (٢) : «مَنْ فَاتَهُ الوقوفُ بِلَيْلٍ فَقَدْ فَاتَه الحَجُّ».

ولنا قوله صلى الله عليه وسلم «الحَجُّ عَرَفَةُ، فَمَنْ وَقَفَ بعرفةَ سَاعةً مِنْ ليلٍ أَوْ نهارٍ، فَقَد تَمَّ حَجُّه» (٣) . وكلمة «أَوْ» للتخيير والتنويع، ويُلَبِّي بعرفةَ ساعةً فساعةً. وقال مالك: يَقْطَعُ التلبيةَ كما (٤) يَقِفُ بِعرفةَ. ولنا ما رُوي عن الفَضْل: أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ما زَالَ يُلَبي حتى أَتى جَمْرَة العَقَبَة.

(وإِذَا غَرَبَتِ) الشَّمْسُ (أَتى مُزْدَلِفَةَ) على طريق المأْزِمَيْن بين العلمين دون طريق ضَبّ، وذلك لحديثِ عليَ أَنه صلى الله عليه وسلم دَفَعَ حِينَ غَابتِ الشمسُ. رواه أَبو داود وغيره. والأَفضل أَنْ يمشي على هينته، وإِذا وجد فُرْجَةً أَسرع لما روى البخاري من حديث ابن عباس أَنَّه دَفَعَ مَعَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم يوم عرفةَ، فَسَمِعَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وراءه زَجْراً شديداً، وضَرْباً للإِبِل، فأَشارَ بِسَوْطِهِ إِليهم، وقال: «أَيُّها النَّاسُ، عَلَيْكُم بالسَّكِينَةِ، فإِنَّ البِرَّ ليس بالإِيضاع ـ أَي الإِسراع ـ».

(وكُلُّهَا) أَي جميع أَجزاء المزدلفة (مَوْقِفٌ) أَي مبيت، لأَن التبييت بِمُزْدَلِفَة ليلةَ النَّحْر سُنَّةٌ. (إِلاَّ وَادِي مُحَسِّر) لما تَقَدَّم من حديث ابن عباس: «المُزْدَلِفةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ،


(١) سقط من المطبوعة.
(٢) أخرجه الإمام مالك في الموطأ ١/ ٣٩٠، كتاب الحج (٢٠)، باب وقوف ما فاته الحج بعرفة (٥٥)، رقم (١٦٩).
(٣) سنن الترمذي ٣/ ٢٣٧، كتاب الحج، باب مما جاء فيمن أدرك الإمام … رقم (٨٨٩).
(٤) "كما" الحالية.

<<  <  ج: ص:  >  >>