للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإِذَا أَدَّى المَغْرِبَ أَعادَ مَا لَمْ يَطْلُعِ الفَجْرُ،

===

وفي الطحاوي، و «مُصَنَّف ابن أَبي شيبةَ» عن أَبي أَيُّوبٍ الأَنصاري: أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم جَمَعَ بَيْن صلاةِ المَغْرِبِ والعشاءِ بالمُزْدَلِفة بأَذانٍ واحدٍ وإِقامةٍ واحدةٍ. وقد رواه البخاري ومسلم عنه وليس فيه ذكر الإِقامة. وفي روايةٍ عن ابن عمر أَنه صلى الله عليه وسلم أَذَّنَ لِلمَغْرِبِ بِجَمْعٍ فأَقام، ثُمَّ صَلَّى العِشَاءَ بالإِقامةِ الأُولى. قال ابن حَزْم: رواه مسلم. قال بعضُ المحققين: فقد علمت ما في (١) هذا من التعارض، فإِنْ لم يَرْجَح ما اتّفق الشيخان على ما انفرد به مسلم وأَبو داود حتى تساقطا، كان الرجوعُ إِلى الأَصل يقتضي تعدد الإِقامة بتعدد الصلاة كما في قضاء الفوائت، بل أَوْلى لأَنَّ الصلاة الثانية ههنا وقتية، فإِذا أُقيم للأُولى المتأَخرة عن وقتها المعهود كانت الحاضرةُ أَوْلى أَنْ يُقَامَ لها بعدها، كما في الجَمْع بعرفة.

ثُمَّ الأَفضل أَنْ يصليهِما مع الإِمام بجماعةٍ، ولو صَلاَّهُما وَحْدَه أَوْ مع غيرِه أَجْزَأَه. وفي «شَرْح مسلم»: مذهبُ أَبي حنيفة وجماعة أَنه جَمْعٌ بِسَبَبِ النُّسُكِ (٢) ، فيجوزُ لأَهل مكةَ وغيرهم. والصحيح مِنْ مذهب الشافعيِّ أَنه جَمْعٌ بِسببِ السَّيْرِ، فلا يجوزُ إِلاَّ لِمُسافِرٍ مسافةَ القَصْر، وقال بعضُ أَصحابه كما قال أَبو حنيفة.

(وإِذَا أَدَّى المَغْرِبَ) في عرفات أَوْ في الطريق (أَعادَ مَا لَمْ يَطْلُعِ الفَجْرُ) حتى لو طلع الفجر قَبْل الإِعادة عاد إِلى الجواز اتفاقاً، فهو فسادٌ موقوفٌ، وذلك لأَن الفجر إِذا طلعَ فَاتَ وَقْتُ الجَمْعِ، وبه قال الثَّوْرِي. وقال أَبو يوسف: يُجْزِئه المَغْربُ مع الإِساءة، لأَنه أَدَّاها في وَقْتها المعهود، وبه قال مالك والشافعيُّ.

ولنا ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم لأُسامَةَ: «الصلاة أَمَامَكَ» (٣) ، فإِنَّ معناه زمانها أَوْ مكانها أَمامك، لا نَفْس الصلاة، لأَنها حركاتٌ توجد مِنْ فِعْل المُصَلِّي فلا تتصف بالقَبْلية قبل وجودها، فإِنْ كان المراد به المكان، فقد ظهر اختصاص هذه الصلاة بالمكان، وهو المزدلفة، فلا يجوز في غيرها، وإِن كان به المراد الزمان، فظهرَ أَنْ وقت المغرب في وقت الحج لا يدخل بغروب الشمس، وأَداء الصلاة قبل وقتها لا يجوز. إِلاَّ أَنَّ خَبَر الواحد يوجبُ العَملَ لا العِلْمَ، فأَمر بالإِعادة ما بقي الوقت لِيصيرَ جامعاً بين


(١) سقط من المطبوعة.
(٢) النُّسُك: الطاعة والعبادة، ثُم سُمِّيت أُمورُ الحَجِّ كُلُّها مناسِك. النهاية: ٥/ ٤٨، بتصرف.
(٣) صحيح البخاري (فتح الباري) ٣/ ٥١٩، كتاب الحج (٢٥)، باب النزول بين عرفة وجمع (٩٣)، رقم (١٦٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>