للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثُمَّ صَلَّى الفَجْرَ بِغَلَسٍ، ثُمَّ وَقَفَ ودَعَا.

===

الصلاتين بالمزدَلِفة، إِذِ التأْخيرُ إِنَّما وجب لِيُمْكِنَه الجمع بينهما بالمزدلفة، وبعد طلوع الفجر لا يمكنه الجمع فَسَقَطَتْ الإِعادة.

ولأَنَّا لو أَمرنا بالإِعادة بعد ذهاب الوقت لَحَكَمْنا بفسادِ ما أُدِّيَ وهو من باب العلم، وخبر الواحد لا يوجب العلمَ. فأَما وجوب الإِعادة في الوقت فَمِنْ باب العَمَل والأَخْذِ بالاحتياط فيعيدُ، كذا حَقَّقَهُ بعضُ علمائنا لكن في ترديده نظر ظاهر إِذْ (١) تَحَقُّقُ كُلَ مِنْ وقتِ العشاءِ وَوُصُولِ المزدلفة شَرْطٌ لهذا الجمع، فلا يجوزُ لِفَاقدِ أَحَدهِما.

(ثُمَّ صَلَّى الفَجْرَ بِغَلَسٍ (٢) ) لما في الصحيحين من حديث ابن مسعود قال: ما رأَيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى صلاةً لِغَيْرِ مِيقَاتِها إِلاَّ صَلَاتَيْنِ: صلاةَ المَغْرِب، والعشاء بجَمْعٍ، وصَلَّى الفَجْرَ يَوْمئذٍ قبل ميقاتها.

يعني بعد الفجر قبل ميقاتها المعتاد، ولا يعني أَنه صَلاَّهُمَا قبل الفجر، لما في البخاري: وصَلَّى الفَجْرَ حينَ بَزَغَ ـ أَي طَلَعَ ـ.

(ثُمَّ وَقَفَ) وكَبَّرَ، وهَلَّلَ، ولبى، وصلّى على النبيِّ صلى الله عليه وسلم (ودَعَا) لِحَاجَتِهِ ما شاء، لما في حديث جابر الطويل: فَصَلَّى الفَجْرَ حين تَبَيَّنَ له الصُّبْحُ بأَذانٍ وإِقَامةٍ، ثُمَّ رَكِبَ القَصْواء حتى أَتى المَشْعَرَ الحَرَامَ فاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ فَدَعَاهُ، وكَبَّره، وهَلَّلَه، وَوَحَّدَه، ولم يَزَل واقِفاً حتى أَسْفَرَ (٣) جِداً فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشمسُ … الحديثَ. رواه مسلم.

وجملةُ ذلك في «سُنن أَبي داود، والترمذي، وابن ماجه» عن عليَ رَضِيَ الله عنه قال: وَقَفَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بِعَرَفَةَ فقال: «عَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ»، ثُم أَفَاضَ حين غربت الشمس وأَرْدَفَ أُسامة بنَ زيدٍ، وجَعَلَ يُشِيرُ بيده على هينةٍ والنَّاسُ يَضْرِبُونَ الإِبِلَ يميناً وشمالاً، يلتفت إِليهم ويقول: «أَيُّهَا الناسُ عليكم بالسَّكِينة»، ثُم أَتى جَمْعَاً فصَلَّى بهم الصلاتين جَمِيعاً، فلما أَصْبَحَ أَتى قُزَحَ فَوَقَفَ.

وفي «المُسْتَدْرَك» عن المِسْوَرِ بنِ مَخْرَمَةَ قال: خَطَبنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بعرفاتٍ، فَحَمِدَ الله وأَثْنَى عليه، ثُم قال: «أَمَّا بَعْدُ: فإِنَّ أَهلَ الشِّرْكِ والأَوثان كانوا يدفعون (٤) من هذا الموضع إِذا كانت الشمس على رؤوس الجبال كأَنَّها عَمَائِمُ الرِّجال (على


(١) في المطبوعة: "و"، وما أثبتناه من المخطوطة.
(٢) الغَلَس: ظُلْمَةُ آخِرِ اللَّيل معجم لغة الفقهاء ص: ٣٣٣.
(٣) الإسْفَار: الكشف والإضاءة، وإِسْفَارُ الفَجْرِ: ظُهُورُ النُّور وزوالُ الظلمة. معجم لغة الفقهاء ص: ٦٧.
(٤) تقدم شرحها ص: ٦٠٩ تعليق رقم (٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>