للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقَطَعَ تَلْبِيَتَهُ بِأَوَّلِهَا،

===

رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَرْمِي الجمرةَ مِنْ بَطْنِ الوادي وهو راكبٌ يُكَبِّر مع كُلِّ حصاةٍ، ورجُلٌ مِنْ خَلْفِهِ يَسْتُره فَسَأَلتُ عن الرجل، فقالوا: الفضل بن عباس، وازدحم الناس، فقال صلى الله عليه وسلم «يا أَيُّها الناس، لا يقتل بعضُكم بعضاً، وإِذا رميتم الجمرة فارموا بمثل حصى الخَذْفِ». قِيل: هو مقدار الحِمِّصَة. أَوْ النواة، أَوْ مقدار الأُنْملة.

ولو رَمَى بأَكبر مِنْ حصى الخَذف، أَوْ رمى من أَعلى العَقَبة لا من بطن الوادي جازَ لحصول المقصود وكان تاركاً للأَفضل. ومِقْدارُ الرَّمْي استحباباً أَنْ يكون بين الرامي وبين موضع السقوط خَمْسَةُ أَذرعٍ، فلو، وقعت الحصاة قريباً من الجمرة جاز، ولو وقَعت بعيداً لا. وقَدْرُ القريبِ ثلاثةُ أَذرع، والبعيد ما فوقها. ولو رمى بحصاةٍ أَخَذَها من عند الجمرة أَجزأَه، لأَنَّ الرَّمْيَ لا يُغَيِّرُ صفة الحجر وأَساء، لأَنَّ ما عندها حَصَى مَنْ لم يُقْبَل حَجُّه، لما روى الدَّارَقُطْنِيّ والحاكم ـ وصححه ـ عن أَبي سَعِيدٍ الخُدْري قال: قلتُ: يا رسولَ الله هذه الجمار التي تُرمى بها كل عام فنحسب أَنها تنقص، فقال: «إِنَّه ما يُقبل منها رُفِع، ولولا ذلك لرأَيتها أَمثال الجبال».

ورَوَى أَحمد في «مُسْنده» والحاكم في «صحيحه» عن ابن عباس قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم غداةَ جَمْع: «القُطْ لي»، فَلَقَطتُ له حصياتٍ له مِنْ حَصَى الخذف، فلما وَضَعْتُهُنَّ في يده قال: «نعم بأَمثال هؤلاء، وإِيَّاكُم والغلوَ في الدِّين، فإِنَّما هَلَكَ مَنْ كانَ قَبْلَكم بالغُلُو في الدِّين».

ويَجُوزُ الرَّمْيُ بِجِنْس الأَرض مِنْ مَدَر (١) ونَحْوه، لأَن المقصودَ فِعْلُ الرَّمْي، وذلك يحصل بالمَدَر كما يَحْصُل بالحَجَر، بخلاف ما إِذا رَمَى بالذَّهَبِ والفضة لأَنَّه يُسَمَّى نِثَاراً لا رَمْياً. ويختص الرَّمْيُ بالحجر عند مالك والشافعي اتباعاً للمنقول المتوارث بالأَثَر.

ولا يقف عند جَمْرَة العَقَبة للدعاء لما رُوِي عن ابن عمر: أَنَّه كان يَرْمِي جَمْرَة العَقَبة من بطن الوادي ولا يقف عندها، وينصرف ويقول: هكذا رأَيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُه. رواه البخاري.

(وقَطَعَ تَلْبِيَتَهُ) عندنا وعند الشافعي (بِأَوَّلِهَا) أَي بأَوَّلِ حصاةٍ رماها لما في الصحيحين من حديث ابن عباس: أَنَّ أُسامَةَ كان رِدْفَ (٢) النبيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ عرفةَ إِلى


(١) المَدَر: الطِّينُ اللَّزج الذي لا يخالطه رَمْل. معجم لغة الفقهاء ص: ٤١٨.
(٢) الرّدْفُ: هو الذي يَرْكبُ خَلْفَ الرَّاكب. مختار الصحاح ص: ١٠١، مادة (ردف).

<<  <  ج: ص:  >  >>