للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَوَطْؤهُ

===

وفي الكتب الستة: أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِكَعْبِ بن عُجْرَة بالحُدَيبيةِ وهو يُوقِدُ تحت قدر والقَمْلُ يتهافتُ على وَجْهِهِ فقال: «أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ هذه»؟ قال: نعم، قال: «فاحلق رَأْسَك وأَطْعِم فَرَقَاً (١) بينَ ستةِ مساكينَ، أَوْ صُم ثلاثةَ أَيام، أَوْ انْسُك نَسِيكةً». وفي الصحيحين عن عبد الله بن مُغَفَّل قال: حدثني كَعْب بن عُجْرةَ أَنه خرج مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم مُحْرِماً فَقَمِلَ رَأْسُه ولحيته، فبلغ ذلك النبيَّ صلى الله عليه وسلم فأَرسل إِليه فدعا الحلاَّقَ فحلق رأْسَه، ثُم قال له: «هل عنْدَك نُسُكٌ؟» قال: ما أَقْدِرُ عليه، فأَمَره أَنْ يصومَ ثلاثةَ أَيَّامٍ، أَوْ يُطْعِمَ ستةَ مساكينَ، لِكُلِّ مِسْكِينَيْنِ صَاعٌ، فأَنْزَل اللهُ فيه خاصَّة: {فَمَنْ كانَ مِنْكُم مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ} (٢) ثُم كانت للمُسْلِمين عَامَّةً.

وفي لَفْظٍ لمُسْلم: فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم «احْلِق ثُم اذْبَح شاةً نُسُكاً، أَوْ صُم ثلاثةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ ثلاثةَ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ على ستةِ مساكينَ». وفي روايةٍ: «لِكُلِّ مِسْكين نِصْفُ صَاعٍ». وفي لفظٍ له: فقال لي: «هل عندك فَرَقٌ تَقْسِمُه بينَ ستةِ مساكينَ، ـ والفَرَقْ: ثلاثة آصُع ـ أَوْ انْسُك شاةً، أَوْ صُم ثلاثةَ أَيَّامٍ؟» فقلت: اختر لي يا رَسُولَ اللهِ، قال: «أَطْعِم ستَّةَ مساكينَ». وفي لفظٍ عن الحسن: أَنه قال له: «فكيف صَنَعْت؟» قال: ذَبَحْت شاةً. فإِنْ قيل: الآيةُ والحديثُ لا يَدُلاَّنِ على الفِدْيةِ في الطِّيبِ واللُّبْسِ وقَصِّ الأَظْفار، فَبِمَ أَثْبَتُّم الفِدْيَةَ فيها؟ أُجيب: بالقياس على الحَلْقِ الثابتِ بالآيةِ والحديثِ لِوُجُودِ الجامِع بينهما وهو العُذْر.

وإِنَّما قُلنا: إِنَّ الذَّبْح يَخْتَصُّ بِالحَرَمِ، والإِطعامُ والصيامُ لا يَخْتَصَّانِ به، لأَنهما عبادةٌ في كُلِّ مكانٍ وزمانٍ، والذَّبْحُ لم يُعْرف شَرْعاً عبادةً وقُربةً إِلاَّ في زمانٍ أَوْ مكانٍ، وهذا الذَّبْح لا يختص بزمانٍ فتعينَ اختصاصُه بالمَكَانِ. ثُم الإِباحةُ في الإِطعام يجزئه عند أَبي يوسف اعتباراً بِكَفَّارةِ اليمين، بِجَامعِ أَنَّهما كفارةٌ، ولأَن الحديث ورد بلفظ الإِطعام، والإِباحة مجزئةٌ في كل ما ورد بِلَفْظِ الإِطعام. وخالفه محمدٌ وشرَط التمليكَ كالزكاة، بِجَامِعِ أَنهما صدقةٌ، ونَصُّ الكتابِ وَرَدَ بها، فَيُحْملُ الإِطعامُ الوارد في الحديث على وَجْهِ التمليكِ، لأَن الحديث وَرَدَ مَوْرِدَ تفسيرٍ للآيةِ.

(وَوَطْؤهُ) أَي جِمَاعُه بغيبوبةِ الحَشَفَةِ عامداً أَوْ نَاسياً، طَائَعاً أَوْ مُكْرَهَاً، في القُبُل


(١) الفَرَق: - بفتح الفاء والراء - مكيالٌ سعته ثلاثة أصوع = ج ٦ أقساط = ١٠.٠٨٦ ليترًا = ٩٧٨٤.٥ غرامًا عند الحنفية. و ٨.٢٤٤ لترًا و ٦٥١٦ غرامًا عند غيرهم. معجم لغة الفقهاء ص ٣٤٤.
(٢) سورة البقرة، الآية: (١٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>