للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبَعْدَه تَجِبُ بَدَنَةٌ،

===

إِذا خَشِيَا المواقعةَ فَيُسْتحب أَنْ يتفرّقا في الإِحرام. والمُرَاد بالفُرْقة: أَنْ يَأْخذ كلٌّ منهما طريقاً غَيْرَ طريقِ الآخَرِ. وقال مالك: يجِب افتراقُهما في الإِحرام عن الموضع الذي وَطِئها فيه، وبه قال الشافعيُّ في القديم: وجوباً، وفي الجديد: اسْتِحْباباً، ومن حينِ الخُرُوجِ مِنْ مَوْضِع الإِقامة في قَوْل مالك لما رواه في «الموطأ» عن عليَ كَرَّمَ اللهُ وجهه، ومن حين الإِحرام في قولٍ آخَر، وبه قال زُفَر، لأَن الافتراق نُسُكٌ بِقَوْلِ الصحابة، وأَداء النُّسُكِ بعد الإِحْرَام.

ولنا أَنْ الافتراق ليس بِنُسُكٍ في الأَداء، فلا يُؤمرُ به في القضاء. فإِنْ قيل: رُوِي عن عمر، وعليِّ، وابن عباس أَنَّهم قالوا: يفترقان، أُجيب: بأَن قولهم مَحْمولٌ على النَّدْب لما قَدَّمناه من الدليل.

(وبَعْدَهُ) أَي بعد وقوف عرفةَ قَبْل الحَلْق (تَجِبُ بَدَنَةٌ) ولا يَفْسُد حَجُّهُ، سواءٌ جامع عامِداً أَوْ ناسياً. وفي «الوجيز»: وإِنَّما تجِبُ بَدَنةٌ إِذا جامع عامداً، أَما إِذا جامع ناسياً فعليه شاةٌ، كذا في «السراج». وقال الشافعي ـ وهو أَظْهَرُ القَوْلَيْن في مذهب مالك ـ: يَفْسُد إِذا جامع قبل الرَّمْي اعتباراً بما لو جامع قَبْلَ الوقوف، لأَن كُلاًّ منهما قبل التَّحَلُّل.

ولنا على عدم الفسادِ ما في «السُّنن الأَربعة» ـ وقال الترمذي: حسن صحيح ـ عن عُروةَ بن مُضَرِّس قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم «مْنْ شَهِد صلاتنا هذه ـ أَي صلاة الصبح بالمُزْدَلِفَة ـ ووَقَفَ معنا حتى نَدْفَع وقد وَقَفَ بِعَرفةَ قَبْلَ ذلك ليلاً أَوْ نَهاراً فَقَد تَمَّ حَجُّهُ، وقَضَى تَفَثُهُ». وفي روايةٍ: «مَنْ أَدْرَكَ معنا هذه الصلاةَ، وأَتَى عرفاتٍ قَبْلَ ذلك ليلاً أَوْ نهاراً فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ، وقَضَى تَفَثُهُ». وحقيقةُ التَّمَام غيرُ مُرَادةٍ لبقاءِ طواف الزيارة وهو ركنٌ، فيكونُ المرادُ بِهِ الأَمْنَ مِنْ الفسادِ. وعلى (١) وجوبِ البَدَنَةِ ما رُوِي عن ابن عباس أَنَّهُ سُئِل عن رجلٍ وقع بأَهْلِهِ وهو بِمِنَى قبل أَنْ يفِيضَ، فأَمَرَه أَنْ يَنْحَرَ بَدَنَةً. رواه مالك في «الموطأ» عن أَبي زبير المكي، عن عطاء، عنه.

وأَسْنَدَهُ ابن أَبي شيبة (عن عطاء) (٢) قال: سُئِل ابن عباس عن رَجُلٍ قَضَى


(١) أي: "والدليل على وجوب البدنة"، وهي معطوفة على قوله في أول الفقرة: "ولنا على عدم الفساد".
(٢) سقط من المطبوع، وإثباته الصواب. انظر "مصنف ابن أبي شيبة" (الجزء المفقود) ص ٤١٤، كتاب الحج، في الرجل يقع على امرأته قبل أن يزور البيت.

<<  <  ج: ص:  >  >>