المَنَاسِكَ كُلَّها غيرَ أَنه لم يَزُر البيتَ حتى وقع على امرأَتِهِ، قال: عليه بَدَنَةٌ. ولو كان الواطِاءُ قارناً عليه بَدَنَةٌ لِحَجِّه، وشاةٌ لِعُمرَتِهِ، وليس عليه دَمُ القِرَانِ لفسادِ أَحَدِ النُّسُكَيْن. ولو جامع مرةً ثانيةً فعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ شاةٌ مع بَدَنَةٍ، لأَنه وقع في حرمةٍ مهتوكةٍ فصَادَفَ إِحْراماً نَاقِصاً فيجب الدَّمُ.
(وبَعْدَ الحَلْقِ) قبل الطواف (شَاةٌ) أَوْ سُبُعُ بَدَنَةٍ، لأَن الجناية خَفَّتْ لِوُجودِ الحِلِّ في حَقِّ غَيْرِ النِّساءِ. ولو جامع بعد طواف الزيارة وقبل الحلق فعليه شاةٌ، لوجودِ الجِماع في الإِحرام، كذا في «الهداية» وشروح القُدُورِي. وقيل: يجب بَدَنَةٌ، لإِطْلَاق ظاهر الرواية لزوم البَدَنة بالجِماع بعد الوقوف، مِنْ غير تَفْصِيلٍ بينَ كَونِهِ قبل الحلق أَوْ بعده. وفي مذهب الشافعي: لو كان ناسياً أَوْ مُكْرَهاً أَوْ نائمةً لا يفسد حِجُّهُ، ولا يَلْزَمُهُ شيءٌ. ويلزم عندنا دَمٌ بِقُبلةٍ، أَوْ لَمْسٍ بشهوةٍ وإِنْ لم يُنزل، على روايةِ «الأَصْل».
وفي «الجامع الصغير» يقول: إِذا مَسَّ بشهوةٍ فأَمْنَى. وللشافعيِّ قَوْلٌ إِذا اتصل به الإِنْزَالُ يَفْسُدُ الإِحْرامُ على قياسِ الصيام، فإِنه يَفْسُد بالتقبيلِ عنده إِذا اتصلَ به الإِنْزَالُ، ولكنَّا نقول: فسادُ الإِحرام حُكْمُه متعلّقٌ بالجماعِ فإِنَّه بارتكاب سائرِ المحظوراتِ لا يَفْسُد، وما تعلق بمعنى الجِماع مِنْ العقوبةِ لا يتعلقُ بالجِماع فيما دونَ الفَرْج كالحَدِّ. وللشافِعِيِّ قولٌ: أَنَّه لا يلزمه شيءٌ إِذا لم يُنْزِل، قياساً على الصوم، فإِنه لا يلزمُه شيءٌ إِذا لم يُنْزِل بالتقبيلِ فكذا في الحج. ولكنَّا نقولُ: الجِماعُ فيما دونَ الفَرْجِ مِنْ جملةِ الرَّفث فكان منهياً عنه بسبب الإِحرام، وبالإِقْدامِ عليه يصيرُ مُرْتَكِباً محظورَ إِحرامِهِ فيلزمُه الدَّمُ.
ولو طاف مكشوفَ العورةِ، أَوْ مَعْكُوساً بأَنْ يتوجه من عند الحجر الأَسود إِلى جهة الرُّكْن اليماني، أَوْ راكباً بلا عُذْرٍ يجب عليه دَمٌ، لأَنَّ كل واحد منهما واجب فيحصل النقص بتركه فيلزمه الدم. وجعلها الشافعيُّ شروطاً فأَلغاهُ بِدُونها، ولم يُوجِب بالطوافِ رَاكباً شَيئاً، لأَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم طافَ رَاكِباً، ولم يُنْقَل عُذْر.
ولنا أَنَّ فِعْلَ الدابةِ وإِنْ أُضِيف إِلى الراكِبِ مَعْنىً لكنَّه مُتَخَلِّفٌ عنه صورةً، فيتمكن النقصان فيه باعتبار فوات الصورةِ، فيُجْبرُ بالدَّمِ، وما رواه كانَ لِعُذْرٍ، ففي «صحيح مُسْلمٍ» عن جابر قال: طافَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في حَجَّةِ الوَدَاعِ على راحلتِهِ بالبيتِ يَسْتَلِمُ الحجرَ بِمحْجَنِهِ (١) وبين الصفا والمروة لِيَراهُ الناسُ ويُشْرِفَ ويسأَلوه،
(١) المِحْجَن: عصا مُعَقَّفَة الرأس. النهاية ١/ ٣٤٧.