للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإِنْ قَتَلَ مُحْرِمٌ صَيْداً، أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ قاتِلَهُ،

===

فإِنَّ الناسَ غَشُوهُ (١) . وفي «الصحيحين» عن أُمِّ سَلَمَةَ قالت: شَكَوْتُ إِلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أَني أَشتكي، فقال: «طوفي مِنْ وراءَ الناسِ وأَنْتِ رَاكِبةٌ». فموردُ النَّصِ فيه مُعَلَّلٌ بالمرض، وقَصْد السؤال. والله تعالى أَعلم بحقيقةِ الأَحوال.

(وإِنْ قَتَلَ مُحْرِمٌ صَيْداً) أَي حيواناً مَأْكولاً أَوْ غَير مأْكولٍ ذا قوائم، فخرج به مِثْلُ الحيةِ والعَقْرَب، وسائر الهوام، متوحشاً في أَصْلِ الخِلْقة، فدخل الحمام المستأْنس، وخرج الإِبل المستوحش، وكان تَوالُدُه وتَعَيُّشُه في البَرِّ، فخرج به صيد البحر: وهو ما يكون توالُدُه ومثواه في الماء، لأَنَّ التوالدَ هو الأَصل، والكينونةُ بعد ذلك عَارضٌ فاعتبر الأَصل. فالبحريُّ حَلالٌ للحَلالِ والمُحْرِم، والبريُّ حَرَامٌ على المُحْرم إِلاَّ ما استثناه النبيُّ صلى الله عليه وسلم والأَصْل فيه قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وطعَامُهُ مَتَاعاً لكُم وللسيَّارةِ وحُرِّمَ عَلَيْكُم صيدُ البَرِّ ما دُمْتُم حُرُماً} (٢) أَي مُحْرِمين، والمباح والمملوك فيه سواء، لأَن الصَيْدَ عَامٌّ.

(أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ) بالإِشارة أَوْ غيرها في قَتْله عَمْداً أَوْ سَهْواً، لأَنه ضمانٌ، فأَشْبَه غَرَاماتِ الأَمْوالِ من حيثُ أَنَّ الضمان يَدُور مع الإِتلافِ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بالعمد، والتَّقْييد في الآية به لأَنَّ مَوْرِدَها في المتعمَّد، أَوْ للتَّنْبِيه على أَنَّ الخاطاءَ بالأَولى، كذا قيل، وبُعْدُه لا يخفى، أَوْ لأَجْل وعيدٍ لِيَذُوقَ وبَالَ أَمْرِهِ، والنَّاسي لا يستحق الوعيدَ. قال الزُّهْرِي: وَرَد الكتابُ بالعَمْد، ووردَتِ السُّنَّةُ بالخطأ، فيستوي في ذلك العامِدُ والناسي لإِحرامه، وكذا الخاطاء.

(قاتِلَهُ) المُحْرِم أَوْ الحَلَال بشروط منها: أَنْ لا يكون القاتلُ عالِماً بمكانِ الصيْدِ، لأَنه إِذا كان عالماً به يكون قتله بعِلْمِهِ لا بالدلالةِ، وعلى هذا لو أَعارَ المُحْرِمُ قَوْساً لِرَمْي صَيْدٍ، فَعَليهِ جزاءٌ إِنْ لم يَكُنْ مع المُسْتَعِيرِ قَوْسٌ، وإِنْ كان فلا شيءَ عليه. ومنها: أَنْ يُصَدِّقَه في الدلالة، حتى لو كَذَّبه ولم يتبع الصيدَ حتى دَلَّهُ عليه آخرُ فَصَدَّقَهُ وقتله، فالجزاءُ على الدَّالِّ الثاني، ولو لم يُصدِّقِ الأَول ولم يُكَذِّبه بأَنْ (أَخبره) (٣) فلم يَرَهُ حتى دَلَّه آخَرُ فطلبه وقتله، كان على كُلَ منهما جزاء كما على القاتل. ومنها: أَنْ يَبْقَى الدَّالُّ مُحْرِماً إِلى قَتْلِ الصيدِ، فإِنْ دَلَّ ثُمَّ حَلَّ فقتله المدلول، فلا جزاءَ


(١) غَشُوهُ: ازدحموا عليه.
(٢) سورة المائدة، الآية: (٦).
(٣) في المطبوع: آخره، وما أثبتناه من المخطوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>