للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وصَحَّ عِنْدَ فَاسِقَيْنِ، ولا يَظْهَرُ عِنْدَ الدَّعْوَى. وصَحَّ عِنْدَ ابْنَيْهِمَا أو أحدِهما.

===

(وصَحَّ) النكاح (عِنْدَ فَاسِقَيْنِ) ولو كانا محدودَيْنِ في قذفٍ، غيرَ تائبَين، لأن الفاسق من أهل الولاية القاصرة بلا خلاف، لأن له أَنْ يُزَوِّجَ نفسه، وعبدَه، وأمَتَهُ، فيكون من أهل تحمُّل الشهادة، وإن لم يكن من أهل أدائها، لأن كُلاًّ مِنْ التحمُّل والولاية القاصرة لا إلزام فيه.

(ولا يَظْهَرُ) أَثَرُ شَهَادَتِهِما الدالّ عليها فحوى الكلام (عِنْدَ الدَّعْوَى) لأن أداء الفاسق مردودٌ، والنكاح موقوف على تحمل الشهادة لا على قبولها، فصار العقد بحضور الفاسقَين كالعقد بحضور الأصَمَّينِ، حيث يَصِحُّ ولا تُفيد شهادتهما عند الدعوى، ولم يُجِزِ الشافعيُّ شهادةَ فاسقَين لما قدَّمنا من قوله صلى الله عليه وسلم «لا نكاحَ إلا بِوَليَ وشَاهِدَي عَدْلٍ»، ولا شهادةَ الأعْمَيَيْنِ في الأصح عنه.

ولنا في انعقاده بشهادة الفاسقَين أصلٌ وهو: أن كلَّ ما يَصْلُح أن يكون قابلاً للعقد بنفسه ينعقد النكاح بشهادته، وكلَّ مَنْ يَصْلُح أن يكون وليًّا في النكاح يَصلح أن يكون شاهداً فيه. وهذا الحديث إِنْ صحَّ مقيَّداً بالعدالة، فالآخَر وهو قوله: «لا نكاح إلا بشهود» وهو الذي ذكره عند قوله: «مُكَلَّفَينِ مُسْلِمَيْن» مُطلقٌ عنها، ونحن نعمل بالمُطْلَقِ والمقيَّدِ جميعاً، مع أنه ذكر العدالة في موضع الإثبات فتقتضي عدالةً ما، وذلك من حيث الاعتقادُ، وفي الحقيقة إن المسألة مبنيَّةٌ على أن الفاسق من أهل الشهادة عندنا، وإنما لم تُقبل شهادته لتمكُّنِ تُهمةِ الكذب، وفي الحضور والسماع لا تَتَمَكَّنُ هذه التهمة، فكان بمنزلة العدل.

وعنده الفاسق ليس من أهل الشهادة أصلاً لنقصان حاله بسبب الفِسق. قلنا: الفسق لا يُخْرِجُهُ من أن يكونَ أهلاً للإمامة والسلطنة، فإن الأئمةَ بعد الخلفاء الراشدين قلَّ ما خَلَوْا عن الفِسق، فالقول بخروجه من أن يكون إماماً بفسقٍ ما، يؤدي إلى فسادٍ عظيم، ومن ضرورة كونه أهلاً للإمامة كونه أهلاً للقضاء، لأن تقلُّد القضاء يكون من الإمام، ومن ضرورة كونه أهلاً للقضاء أن يكون أهلاً للشهادة.

(وصَحَّ عِنْدَ ابْنَيْهِمَا) بأنْ وقعتِ الفُرقةُ بين رجلٍ وامرأة، ثم تزوجا (١) بحضور ابنيهما، وبه قال الشافعي في الأصح. (أو) ابْنَي (أحدِهما) أي ابْنَي الزوج، أو ابْنَي الزوجة. قال أبو المكارم: وعطفه على الضمير المجرور بلا إعادة الجار (٢) مبنيٌّ على


(١) في المخطوط: تزوجها.
(٢) أي قوله: (أو أحدِهما) عطفًا على: (عند ابنيهما) دون إعادة الجار أي لفظ "عند".

<<  <  ج: ص:  >  >>