للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وزَوْجَةُ أصْلِهِ وَفَرْعِهِ،

===

فقال: «لو لم تكن رَبِيبَتي في حِجْري ما كانت تَحِلُّ لي، أرْضَعَتْني وأباها ثُوَيْبَةُ» (١) . فأما عمر وابن مسعود فإنهما كانا يقولان: الحِجْرُ ليس بشرط، وبه أخذ علماؤنا، للحديث الذي رويناه، وإنما ذَكَرَ الحِجْرَ في الآية على وجه العادة لا على وجه الشرط، كما في قوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إنْ عَلِمْتُم فِيهِمْ خيراً} (٢) ألا ترى أنه تعالى قال: {فَإنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} (٣) ، شَرَطَ للحِلِّ عدمَ الدخول، فذلك دليل على أنه بعد ما دخل بالأم لا تَحِلّ له البنتُ قط، سواء كانت في حِجْرِهِ أو لم تكن.

(وزَوْجَةُ أصْلِهِ) أي أبِيهِ وَجَدِّه، وإن بَعُدَ، سواءٌ كان من قِبَلِ أبيه أو من قِبَل أُمّه، وكذا مَوْطُوءَته، أما الموطوءة فلقوله تعالى: {ولا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آبَاؤُكُم مِنْ النِّسَاءِ} (٤) . وأما المعقود عليها عقداً صحيحاً، فللإجماع، ولإقامة ما يُفضي إلى الوطاء مُقَام الوطاء.

(وَ) زوجةُ (فَرْعِهِ) وهي زوجة ابنه وإن سَفَل، لقوله تعالى: {وَحَلَائِلُ أبنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أصْلَابِكُم} وذَكَرَ الأصْلَابَ لإخراج ابن التَّبَنِّي، فإن حليلته لا تَحْرُم، وكذا يَحْرُم الجمع بين الأُختين نِكاحاً وكذا فِرَاشاً (٥) حتى لا يجمع بين الأُختين وطئاً بمِلك اليمين لإطلاق قوله تعالى: {وأنْ تَجْمَعُوا بين الأُخْتَينِ} (٦) ، فإنه في موضع رفعٍ، عطفاً على المُحَرَّمات، وهو قول عليّ وابن مسعود وعَمَّار بن ياسر، فإنه قال: ما حرَّم الله من الحرائر شيئاً إلا وحَرَّم من الإماء مثله، إلا رجل يجمعهن يريد به الزيادة على الأربع.

وكان عثمان يقول: أحَلَّتهُما آيةٌ وحرَّمَتْهُما آية. يريد بآية التحليل قوله تعالى: {إلا ما مَلَكَتْ أيْمَانُكُمْ} ( ٦)، وبآية التحريم قوله: {وأنْ تَجْمَعُوا بين الأُخْتَينِ}. وكان يتوقف في ذلك. قلنا: عند التعارض يترجح جانب الحُرمة لقوله صلى الله عليه وسلم «وما اجْتَمَعَ الحرامُ والحلالُ إلا وغَلَبَ الحرامُ» (٧) .


(١) أخرج البخاري في صحيحه قريبًا منه "فتح الباري" ٩/ ١٤٠، كتاب النكاح (٦٧)، باب وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم" (٢٠)، رقم (٥١٠١).
(٢) سورة النور، الآية: (٣٣).
(٣) سورة النساء، الآية: (٢٣).
(٤) سورة النساء، الآية: (٢٢).
(٥) أي إذا تزوّج الرجل امرأة، ومَلك أختَها أمةً، فلا يجوز له الجمع بينهما.
(٦) سورة النساء، الآية: (٢٤).
(٧) مصنف عبد الرَّزَّاق ٧/ ١٩٩، كتاب الطلاق، باب الرجل يزني بأُم امرأته، رقم (١٢٧٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>