للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَحُبْلَى مِن زِنَا،

===

لأنه عقدٌ كسائر العقود التي يُتَلَفَّظُ بها من شراءِ أَمَةٍ للتَّسَرِّي (١) وغيره، ولا يمتنع شيء من العقود بسبب الإحرام، ولو حَرُمَ لكان غايته أن يُنَزَّل منزلةَ الوطاء وأثَرِهِ في إفساد الحج، لا في بطلان العقد نفسه

وإن وَفَّقْنَا لدفع التعارض يُحْمَلُ لفظ التَّزَوُّجِ في حديث ابن الأصَمّ على البناء بها مجازاً، لعلاقة السببية العادية، ويُحْمَل قوله صلى الله عليه وسلم «لا يَنْكِحُ المُحْرِم» إما، على نَهْي التَحْريم، والنكاحُ: الوطاءُ والمرادُ بالجملة الثانية (٢) : التمكينُ من الوطاء، والتذكيرِ (٣) باعتبار الشخص، أي لا تُمَكِّنُ المُحْرِمةُ زوجَها منه أو على الكراهة جمعاً بين الأدلة، وذلك لأن المُحْرِم في شغل عن مباشرة عقد النكاح، لأنه يَشْغَلُ القلبَ عن الإحسان في العبادة، لما فيه من خِطْبَةٍ، ومُرَاوَدَاتٍ، ودعوةٍ، واجتماعات، ويتضمن تنبيه النفس لطلب الجِمَاع، وهذا مَحْمَلُ قوله: «ولا يَخْطُب» إجماعاً. وقال في «الكافي»: والأوجه أن يقال: الحديث (يُروَى) (٤) بالنهي مجزوماً، وهو اختيار الخَطَّابي، والنهي يكون للتنزيه وإن رُوي منفيّاً فالنفي يجيء بمعنى النهي.

(وَ) صحَّ نكاحُ (حُبْلَى مِنْ زِنَا) وقال أبو يُوسف وزُفَر: لا يَصِحّ، وهو قول مالك والشافعي وأحمد، لأن الحَبَلَ من الزنا محترم، حتى لا يجوز إسقاطه، فَيَمنعُ صحةَ النكاح، كما يَمْنَعُ الحَبَلُ (٥) من غيره اتفاقاً (٦) .

ولنا قوله تعالى: {وأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذلِكُمْ} (٧) وإنما يمتنع تزوُّج الحُبْلى من غير الزِّنا لحرمة صاحب الماء، ولا حرمةَ للزاني والخلاف فيما إذا كان الناكحُ غيرَ الزاني، وفيما إذا لم يكن الحملُ ثابتَ النَّسَب من غير الناكحُ، فإنه إذا كان الزاني هو الناكحَ يصح النكاح إجماعاً، (وإذا كان الحَبَلُ ثابتَ النَّسَب من غير الناكح لا يصح النكاح إجماعاً) (٨) .


(١) التَّسَرِّي: الجماع. معجم لغة الفقهاء ص ١٣٠.
(٢) أي قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ولا يُنْكح".
(٣) أي إذا كان المراد أن المرأة لا تمكِّن زوجها من وطئها وهى محرمة، فلماذا عبَّر بلفظ التذكير فقال: "ولا يُنْكح"؟! الجواب: أن التذكر باعتبار الشخص، أي شخص المحرم أيًّا كان رجلًا أو امرأة.
(٤) سقط من المطبوع.
(٥) عبارة المطبوع: كما يمنعها الحبلى من غيره. وهي خطأ.
(٦) أي إذا حَبِلت امرأة من غيره، فهذا الحَبَل يمنع صحة نكاحه بها؛ لأنَّه حَبَلٌ ليس منه.
(٧) سورة النساء، الآية: (٢٤).
(٨) سقط من المطبوع.

<<  <  ج: ص:  >  >>