للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا تَنْحَسِرُ أرضُه بالغَرْفِ: لا يَنْجَس،

===

كلِّ مُشْت إصْبَعٌ قائمة. وفي «المحيط»: الأصَحُّ أن يُعتَبَر في كلِّ زَمانٍ ومكانٍ ذراعُهُ.

وفي «شرح الوقاية»: إنما قدَّرنا الغَدِيرَ بعَشْر في عَشْر بناءً على قوله صلى الله عليه وسلم «مَنْ حفَرَ بِئراً فله حَرِيمُها أربعون ذِراعاً» (١) فيكون له حَرِيمُها مِنْ كلِّ جانبٍ عَشَرةَ أذْرُع، ففُهِمَ مِنْ مَنْعِ غيرِ صاحب البئر عن حَفْرِ بئرٍ في العَشْر لانجذاب الماء إلى ما يَحفِرُه، ومِن عَدَمِ منعِهِ عن الحَفْر فيما وراء ذلك لعدم انجذاب الماءِ إليه، اعتبارُ العَشْرِ في العَشْر، هذا خُلاصَةُ كلامه. وفيه نظر، لأنَّ كونَ حَرِيم البئر عشرةَ أذرع مِنْ كلّ جانبٍ قولُ البعض، والصحيحُ أنه أربعون ذِراعاً من كلّ جانبٍ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى في محلِّه (٢) .

(لا تَنْحَسِرُ) أي لا تنكشف (أرضُه بالغَرْفِ) أي بالاغتراف بكفَ واحدٍ أو بكفَّينِ. وقيل: يُعتبَرُ تقديرُ عُمقه بذِراعٍ أَوْ شِبْر (لا يَنْجَس) بفتح الجِيم وضَمِّها، وهو مجزومٌ على جواب قوله: فإن كان، ويجوزُ رفعُهُ. أمَّا عدَمُ نجاسة الجاري، فإنَّ عدَمَ أثَرِ النجاسةِ دليلٌ على عدَمِ بقائِها، وأمَّا عدَمُ نجاسةِ العَشْر فى العَشْر فَلأَنَّه في معنى الجاري.

وكلامُ المصنِّفِ ظاهرٌ في عدَمِ نجاسةِ موضعِ وقوعِ النجاسة، وهو مرويٌّ عن أبي يوسف، وبه أخذَ مشايخُ بُخارَى وبَلْخ توسِعةً على الناس، إذا لم تكن النجاسةُ مَرْئيَّة. وفي «المبسوط» و «البدائع» و «المفيد»: أنَّه يَنْجُسُ، وإليه أشار القُدُوريُّ في «مختصره» بقوله: جازَ الوضوءُ مِنْ الجانبِ الآخَر، وعن أبي يوسف: أنه كالماءِ الجاري لا يَنْجُسُ إلاَّ بالتغيُّرِ، وهو الذي ينبغي تصحيحُه، فينبغي عليه عدَمُ التفرقةِ بين المَرْئيَّة وغيرِها، لِمَا روى الطَّحاويُّ عن جابرٍ وَأبي سعيدٍ قالا: «كنا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ فانتهينا إلى غَدِيرٍ فيه جِيفَة، فكَفَفْنا وكفَّ الناسُ، حتى أتانا النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقال: «مالَكم لا تَسْتَقُون»؟. فقلنا: يا رسول الله هذه جِيفةٌ، قال: «اسْتَقُوا فإنَّ الماءَ لا يُنَجِّسُهُ شيء، فاستقينا وارتوينا».

ومِن الفروع: إذا وجَدَ الماءَ مُتَغيِّرَ اللونِ والريحِ يَتوضَّأ منه ما لم يَعلم أنه مِنْ نجاسةٍ، لأنَّ التغيُّرَ قد يكون لِطاهرٍ أو لمَكْثٍ.

واعلم أنَّ علماءنا اتَّفقوا على أنّ الغَدِيرَ العظيمَ في حكم الجاري، واختلفوا بماذا يُعتَبَر؟ فقال المتقدِّمون: بعدَمِ تحرُّكِ طَرَفِه عند تحريك الطَّرَفِ الآخَر، بأن لا يَنخفِضَ ويرتفعَ من ساعته. ثُمَّ عن أبي حنيفة رحمه اللهُ: تحريكُ الاغتسال، لأنَّ الحاجة إلى


(١) أخرجه ابن ماجه في سننه ٢/ ٨٣١، كتاب الرهون (١٦): باب حريم البئر (٢٢)، رقم (٢٤٨٦). بلفظ قريب.
(٢) في كتاب إحياء الموات.

<<  <  ج: ص:  >  >>