للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

الحِيَاض فيه أشدّ (١) ، وهو روايةٌ عن أبي يوسف، وعنه (٢) تحريكُ اليَدِ توسعةً على الناس، وعن محمد تحريكُ التوضُّؤ، لأنه الوسَط، وهو روايةٌ عن أبي حنيفة. وفي «الغاية»: ظاهِرُ الرواية عن أبي حنيفة اعتبارُهُ بغلبة الظنّ، فإن غَلَبَ على ظنّ المتوضِّاء وصولُ النجاسة إلى الجانب الآخَر لا يتوضَّأ به، وإلا توضَّأ، قال: وهو الأصحّ. وقال أبو عِصْمة: كان محمدٌ يقدِّره بعَشْرٍ في عَشْرٍ، ثم رجَعَ إلى قول أبي حنيفة وقالَ: لا أُقدِّرِ فيه شيئاً. لكنَّ التقديرَ مختارُ ابن المبارك ومشايخِ بَلْخٍ وجماعةٍ من المتأخرِين. قال أبو الليث: وعليه الفتوى، وبه قال صاحبُ «الهداية». ثم العِبرةُ بحالِ الوقوع، فإن نقَصَ بعده لا يَنجُسُ، وعلى العكس لا يَتطهَّر.

ولو كان الماءُ له طُولٌ وليس له عَرْضٌ، أو عُمقٌ بلا طُول، فالأصحُّ أنه إن كان بحالٍ لو ضُمَّ طُولُه إلى عَرْضِه يصيرُ عَشْراً في عَشْر يجوزُ الوضوءُ منه، ولا ينجُسُ بوقوع النجاسة فيه، لأنَّ اعتبارَ العَرْض يُوجِبُ تنجُّسَه، واعتبارَ الطُّولِ لا يُوجِبه، فوقع الشكُّ في تنجُّسِه، والأصلُ فيه هو الطهارةُ فيَبقَى طاهراً، وإن كان الحوض مُدوَّراً فقُدِّرَ بأربعةٍ وأربعين، وثمانيةٍ وأربعين، والمختارُ ستةٌ وأربعون في الأصل.

ويَتوضَّأ من الحوض الذي يَخافُ أن يكون فيه قذَرٌ ولا يَستيقنُهُ، وليس عليه أن يَسألَ ولا أن يدَعَ التوضُّؤَ منه حتى يَسْتيقن، لقولِ عُمَر رضي الله عنه ـ حين سألَ عَمْرُو بنُ العاص صاحبَ الحوض: أَيَرِدُه السِّباعُ؟ ـ: يا صاحِبَ الحوضِ لا تُخْبِرْنَا. ذكره في «الموطَّأ». ولا بأسَ بالوضوء مِنْ حُبَ (٣) يُوضعُ كُوزُه (٤) في نواحي الدار ويُشرَبُ منه، ما لم يَعلم أنه قَذر (٥) . ويُكرَهُ للرجل أن يَستخلص لنفسه إناءً يَتوضَّأ منه ولا يَتوضَّأ من غيره. وقيل: التوضُّؤُ من الحوض أفضلُ من التوضُّؤ من النهر، لأنَّ أهلَ الاعتزالَ لا يَرون التوضُّؤَ من الحياض جائزاً، فنحن نتوضَّأ رغماً لهم. وفي «الواقعات» و «فتاوى أبي الليث»: أنَّ البول في الماء الجاري مكروه، وأمَّا البولُ في الماءِ الراكد فحرام.

ثم اعلم أنَّ الشافعي قَدَّرَه بقُلَّتينِ (٦) ، وهي خمسُ مئة رطلٍ بالعراقيّ، وقيل: ست


(١) أي لأن الحاجة إلى الاغتسال في الحياض أشد من الحاجة إلى التوضؤ، لأن الوضوء يكون في البيوت عادة. أفادة الشيخ عبد الفتاح أبو غُدة رحمه الله تعالى.
(٢) أي عن أبي حنيفة.
(٣) الحُبُّ: الجرَّة، أو الضخمة منها. القاموس المحيط ص ٩١، مادة (حب).
(٤) الكوز: إناء بعُرْوة يشرب به الماء. المعجم الوسيط، ص ٨٠٤، مادة (كوز).
(٥) أي متنجِّس.
(٦) القُلَّة: جرة بقدر ما يطيق الإنسان الموسط حملها لو مُلئت ماءً، والقلتان عند الشافعية تساوي: ٩٣.٧٥ صاعًا = ١٦٠.٥ لَترًا من الماء. معجم لغة الفقهاء ص ٣٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>