للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

مئة رطل، وقال: إذا بَلَغهما لم يَنْجُس إلا بالتغيُّرِ لقوله صلى الله عليه وسلم «إذا بَلَغَ الماءُ قُلَّتَينِ لم يَحمِل الخَبَث». رواه أصحاب «السنن الأربعة» عن ابن عُمَر، وفي روايةٍ أخرى لأبي داود: «فإنه لا يَنْجُسُ»، وأخرجه ابنُ خُزَيمة والحاكمُ في «صحيحيهما».

قلنا: ضعَّفَه جماعةٌ، منهم الحافظُ ابنُ عبد البَرّ، والقاضي إسماعيلُ بنُ إسحاق، وأبو بكر بنُ العربي: المالكيُّون، وقال البيهقي: إنه ليس بالقويّ. وقد تَرَكه الغزاليُّ والرُّوْيَانيُّ مع شدَّةِ اتّباعِهما للشافعي، وعن أستاذِ البخاري عليِّ بنِ المَدِيني (١) أنَّه قال: لم يَثبُت حديث القُلَّتَين، ولأن ابن العباس وابن الزُّبَيْر أَمَرا بنزح ماء زمزم حين مات فيها الزُّنجيُّ، ولو كان هذا صحيحاً لاحتَجَّ به بقيَّةُ الصحابةِ والتابعين عليهما، فعُلِمَ أنه شاذٌّ في حادثةٍ تعُمُّ بها البَلْوَى، فيُرَدُّ، كخبرَ الوضوءِ مما مَسَّتْه النارُ.

ثم حديثُ القُلَّتين ضَعَّفه أبو داود أيضاً للاضطرابِ فى سَنَدِه وكذا فى مَتْنِهِ، ففي روايةٍ: «لم يُنَجِّسْه شيء»، وفي روايةٍ: «لم يَحمِل الخَبَث»، قال البيهقيُّ: وهو غريب، وفي روايةٍ: «إذا بَلَغ الماءُ قُلَّتَينِ أو ثلاثاً لم يُنَجِّسه شيء»، وفي روايةٍ: «إذا بلَغَ الماءُ أربعين قُلَّةً فإنه لا يَحمِلُ الخَبَث». وضعَّفَه الدَّارقُطْنيُّ وذَكَر أنَّ جماعةً رَوَوْا عن ابن عُمَر موقوفاً: «إذا بلَغَ الماءُ أربعين قُلَّةً لم يَنْجُس». وفي روايةٍ: «لم يُنَجِّسه شيء». وفي أُخرى: «لم يَحمِل خَبَثاً». قال الدارقطنيُّ: ورَوَى غيرُ واحدٍ عن أبي هريرة فقالوا: «أربعين غَرْباً» (٢) ، ومنهم من قال: «أربعين دَلْواً».

وهذا الاضطرابُ يُوجبُ الضعفَ وإن وُثِّقَ الرجال، مع ما فيه من الاضطراب في معناه أيضاً حيث قيل: معنى لم يَحمِل خَبَثاً أنه يَضْعفُ عن حَمْلِ النجاسة فيتنجَّس، كما يُقال: هو لا يحمِلُ الكَلَّ، أي لا يُطيقه. وأيضاً القُلَّةُ مشتركةٌ بين الجَرَّةِ والقِرْبةِ ورأسِ الجَبَل.

وأمَّا قولُ الشافعي في «مسنده»: أخبرني مُسلِمُ بن خالد الزنجيُّ، عن ابنِ جُرَيْج بإسنادٍ لا يَحضُرني: أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان الماءُ قُلَّتينِ لم يَحمِل خَبَثاً»، فمُنقطِعٌ للجهالة، وفي روايةِ ابن عَدِيّ، عن ابن عُمَر مرفوعاً: «إذا كان الماءُ قُلَّتينِ مِنْ قِلالِ هَجَر لم يُنجِّسه شيء»، ويُذْكَرُ أنهما فَرَقان، والفَرَقُ: بفتح الراء سِتَّةَ عَشَرَ رطلاً، كذا في «مُجمَل اللغة» (٣) . وقال ابنُ جُرَيج: رأيتُ قِلالَ هَجَر، فالقُلَّةُ تَسَعُ قِرْبَتَيْنِ أو قِرْبَتَينِ


(١) في المطبوعة والمخطوطة: "المدني" وهو تحريف.
(٢) الغَرْبُ: الدلو العظيمة. مختار الصحاح ص ١٩٧، مادة (غرب).
(٣) مجمل اللغة ٣/ ٧١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>