سُبِيَا معاً لم تَبِنْ عندنا، وتبين عنده. لأنّ زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم هاجرت من مكة إلى المدينة، وخلَّفت زوجها أبا العاص كافراً بمكة، فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه بالنِّكاح الأوَّل.
ولنا: أن مشركي مكة صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحُدَيْبِيَةِ أنّ من أتاه من أهل مكة ردَّه إليهم، ومن أتى أهل مكة من أصحابه فهو لهم. وكتبوا بذلك الكتاب وختموه. فجاءت سُبَيْعَةُ بنت الحَارِثِ الأَسْلَمِيّة بعد الفراغ من الكتاب، والنبيّ صلى الله عليه وسلم بالحُدَيْبِيَة فأقبل زوجها مُسَافِر المَخْزُوميّ، وقيل: صَيْفِي بن الرَّاهِب، وكان كافراً، فقال: يا محمد أُرْدُد عليّ امرأتي فإنك قد شرطت لنا أن تردّ علينا من أتاك منَّا، وهذه طينة الكتاب لم تجفّ بعد.
فأنزل الله تعالى بياناً بأنّ هذا الشرط إنما يكون في الرجال دون النساء:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُم المُؤْمِنَاتُ مهَاجِرَاتٍ فامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أنْ تَنْكِحُوهُنَّ إذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الكَوَافِرِ}(١) أي بعقد نكاحهنَّ. فاستحلفها رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلفت، فأعطَى زوجها ما أنفق عليها من المهر، وتزوجها عمر.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَمْتَحِنُ المهاجرة بأن يحلّفها: بالله ما خرجت من بغض زوجٍ، بالله ما خرجت رغبةً من أرضٍ إلى أرضٍ، بالله ما خرجت إلاّ حباً لله ولرسوله.
فقوله سبحانه:{لَا هُنَّ حِلٌ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} يدلُّ على أن تباين الدَّارين يوجب الفُرْقة، وإن لم يوجد سَبْيٌ، وكذا قوله تعالى:{وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أنْ تَنُكِحُوهُنَّ} إذ لو لم يوجب التباين انقطاع النِّكاح، لم يجز للمسلمين أن ينكحوهنَّ، وكذا قوله تعالى:{وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الكَوَافِرِ} إذ لو لم يكن التباين موجباً للفُرْقَة، لزم التمسّك بعقد نكاحهنّ حال كفرهنّ.
ثم المهاجرة تحل بل تُنكح عندنا بلا لزوم عدّة كالمسبيَّة، فإنه يجب استبراؤها ولا يلزمها العدّة اتفاقاً. وقالا ـ وهو قول مالك والشافعي ـ: لا يحل نكاحها قبل انقضاء