للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

الطَّلاق تصرفٌ مشروعٌ بدلالة وقوعه، وقيام دليل المشروعية ـ وهو أمر الله به ـ ومتى كان مشروعاً لا يكون ممنوعاً للتنافي بينهما. وهذا لأنّ أدنى درجات المشروع أن يكون مباحاً في نفسه، وبين كونه مباحاً ومحظوراً منافاةٌ، بخلاف الطَّلاق في حالة الحيض لأنه مباحٌ له في الأصل لكونه مأموراً به مطلقاً، والحرمة لعارض تطويل العدّة عليها، وبخلاف ما لو طلَّقها في طهر جامعها فيه لأنه يؤدي إلى تلبيس أمر العدّة عليها، لأنها لا تدري أنها حاملٌ فتعتدّ بوضع الحمل، أو حائل (١) فتعتدّ بالأقراء، وذلك منعدمٌ إذا طلَّقها في طهرٍ لم يجامعها فيه، سواء أوقع الثلاثَ أو واحدةً. وهذا معنى قولهم: هذا طلاق صادف زمان الاجتناب مع زوال الارتياب.

وحجتنا في ذلك قوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرتَانِ} (٢) معناه دفعتان، لقولهم: أعطيته مرتين، وضربته مرتين. والألف واللام للجنس، فيقتضي أن يكون كل الطَّلاق المباح في دفعتين، ودفعة ثالثة في قوله تعالى: {فَإنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ} (٣) ، أو في قوله تعالى: {أوْ تَسْرِيحٌ بإحْسَانٍ} على حسب ما اختلف فيه أهل التفسير. وحديث محمود بن لَبِيد قال: أُخْبِرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجلٍ طلّق امرأته ثلاثاً جميعاً، فقام غضبان فقال: «أَيُلْعَبُ بكتاب الله وأنا بين أظهركم؟» حتى قام رجلٌ فقال: يا رسول الله ألا أقتله؟. رواه النَّسَائي والسَّرَخْسِي.

واللّعب بكتاب الله: ترك العمل به. فدلّ أن مُوقِعَ الثلاث جملةً مُخَالِفٌ للعمل بما في كتاب الله، وأنّ المراد في قوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (٤) تفريق الطَّلاق على عدد أقراء العِدّة، ألَا ترى أنّه خاطب الزَّوج بالأمر بإحصاء العدّة، وفائدة التَّفريق، فإنه تعالى قال: {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أمْراً} (٥) أي يبدو له (٦) فيراجعها، وذلك عند التّفريق لا عند الجمع.

وحديث عُبَادة بن الصَّامِت أن أباه طلّق امرأة له ألف تطليقة، فانطلق عُبَادة فسأل


(١) الحائل: كل أنثى لا تحبل. المعجم الوسيط ص ٢٠٩، مادة (حال). والمقصود هنا: أنها غير حامل.
(٢) سورة البقرة، الآية: (٢٢٩).
(٣) سورة البقرة، الآية: (٢٣٠).
(٤) سورة الطلاق، الآية: (١).
(٥) سورة الطلاق، الآية: (١).
(٦) في المطبوع: يبديه، والمثبت من المخطوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>