للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَمَا فَوْقَهَا بِلا رَجْعَةٍ بَينَهُ في طُهْرٍ، ويَرْجِعُ إنْ طَلَّقَ في الحَيضِ، فَإِذَا طَهُرَتْ طَلَّقَ إنْ شَاءَ.

===

رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «بانت بثلاثٍ في معصية الله، وبقي تسع مئة وسبعة وتسعون عدواناً وظلماً إن شاء الله عذَّبه وإن شاء غفر له». أسنده عبد الرَّزَّاق. وفي «المَبْسُوطِ»: وقد رُوِيَ عن عمر وعليّ وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وأبي هريرة وعِمْرَان بن حُصَيْن: كراهية إيقاع الثلاث بألفاظٍ مختلفة. وقال الكَرْخِيّ: لا أعرف بين أهل العلم خلافاً أنّ إيقاع الثلاث بألفاظٍ جملةً مكروهٌ، إلاّ قول ابن سيرين، وقوله ليس بحجة.

هذا، والطّلاق البائن أيضاً مكروه عندنا في ظاهر الرِّواية، لأنه لا يحتاج إلى صفة البينونة في الخلاص، مع تفويت مُكْنَةِ المراجعة من غير تزوُّج ثانٍ ـ تحصل له أم لا ـ فيوجب النَّدامة (١) . ولا يُكْرَهُ الخُلْع في زمان الحيض، لأنه قد يحتاج فيه إلى المُفَادَاة، وقد قال تعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (٢) .

(وَمَا فَوْقَهَا) معطوفٌ على قوله: واحدةٌ، أي فوق الواحدة، سواء كانت ثنتين أو ثلاثاً، جملةً أو مفرقاً (بِلَا رَجْعَةٍ) وبلا تجديد تزوّج، (بَيْنَهُ) أي بين ما فوق الواحدة من الثنتين والثلاث (في طُهْرٍ) ظرف لرجعة، لأنه صلى الله عليه وسلم أمر ابن عمر بالتفريق، والإيقاع جملة يضاده، فيكون مُفَوِّتاً للمأمور به، فيكون بدعة. قيّد بعدم الرَّجعة لأنها لو تخللت بين التطليقتين في طهر لا يكون الطلاق بِدْعيًّا عند أبي حنيفة، ويكون بِدْعِيًّا عندهما. وقيّدنا بعدم تجديد التزوّج، لأن التزوّج لو تخلّل بين التطليقتين لا يكون بِدْعيًّا باتفاق.

(ويَرْجِعُ) استحباباً كما قال القُدُورِيّ، ووجوباً في الأصحّ، عملاً بحقيقة الأمر، ودفعاً للمعصية بالقدر الممكن، ودفعاً للضَّرر عن المرأة بتطويل العِدَّة (إنْ طَلَّقَ في الحَيْضِ فَإِذَا طَهُرَتْ طَلَّقَ إنْ شَاءَ) هكذا ذكره الطَّحَاوِيّ: أنّه يطلّقها في الطهر الذي يلي الحَيْضَة التي طلقها فيها. وذكر محمد في «الأصل»: أنها إذا طَهُرَت من حيضةً أخرى يطلَّقها قبل الجماع إن شاء.

قال الكَرْخيّ: ما ذكره الطَّحاوي قول أبي حنيفة، وما في «الأصل» قولهما.

وجه ما ذكره الطَّحَاويّ ما رواه مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنَّسائي، وابن ماجه، وأحمد، والطَّحاويّ عن سالم، عن ابن عمر: أنه طلَّق امرأته وهي حائضٌ، فذكر ذلك عمر للنبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: «مُرْه فلْيُرَاجِعْهَا، ثم ليُطَلِّقْهَا إذا طَهُرَت، أو وهي حاملٌ».


(١) عبارة المطبوع: مع تفويت مكنة الرجعة من غير تزوج، لأنه يحصل له أمر فيوجب الندامة.
(٢) سورة البقرة، الآية: (٢٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>