للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفي "إِذَا" يُنَوَّى فإنْ لَمْ يَنْوِ فَكَـ: "إِنْ" عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ.

واليَوْمُ للنَّهَارِ

===

عباس. والزّمان كالحين لأنهما في الاستعمال سواء. وإنما قال: وسكت، لأنه لو لم يسكت بل قال: أنتِ طالقٌ موصولاً بقوله: أنتِ طالقٌ متى لم أطلّقك، فإنه لا يقع بقوله: أنت طالقٌ متى لم أطلّق شيءٌ، وإنما يقع بالموصول به وهو أنت طالقٌ.

وقال زُفَر: يقع في هذه الصورة تطليقتان. وفيما لو قال: أنتِ طالقٌ ثلاثاً ما لم أطلّقك أنتِ طالقٌ، يقع ثلاثاً، لأنه أضاف الطّلاق إلى زمانٍ خالٍ عنه، وقد وُجِدَ زمانٌ لطيفٌ، وهو وقت قوله: أنتِ طالقٌ قبل أن يفرغ منه. ولنا: وهو وجه الاستحسان أنّ قوله أنتِ طالقٌ هو زمان البِرِّ، وزمان البرِّ لا يدخل في اليمين. ويوضّحه: أن البرَّ مراد الحالف، ولا يتأتى له البرُّ إلا بعد أنْ يجعل هذا القدر مستثنى، وما لا يستطيع الامتناع عنه يجعل عفواً. وأصل المسألة فيما إذا قال: إنْ ركبت هذه الدابة وهو راكبها، فأخذ في النُّزول في الحال، حيث لا يحنَث عندهم، ويحنَث عند زُفَر.

(وفي إِذَا) بأنْ قال: أنتِ طالِقٌ إذا لم أطلّقك، أو إذا ما لم أطلّقك (يُنَوَّى) بتشديد الواو المفتوحة، أي يُسْأَلُ عن نيّته ويعمل بما في طويته، فإن قال: نويت الظّرف ـ وهو الوقت ـ يقع الطّلاق في الحال، وإنْ قال: نويت الشَّرط يقع في آخر العُمُر، لأن لفظ «إذا» يحتملهما لاستعماله فيهما. (فإنْ لَمْ يَنْوِ) شيئاً (فَكَـ: «إِنْ» عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ) لا يَقَعُ الطّلاق إلا آخر العُمُر. وبه قال الشافعيّ، وفي قول أحمد. وكـ: متى عند أبي يوسف ومحمد، فيقع الطّلاق حين سكت، وبه قال مالك، والشافعيّ في الأصحّ، وأحمد في رواية. لأن كلمة «إذا» لا تكون شرطاً إلا في الشّعر كما هو مذهب البصريين من النحاة، ومنه قول القائل:

*واسْتَغْنِ مَا أَغْنَاكَ رَبُّكَ بالغِنَى ** وَإذَا تُصِبْكَ خَصَاصَةٌ (١) فَتَجمَّلِ

ولهذا لو قال: إذا شئتِ فأنتِ طالقٌ، لا يخرج الأمر من يدها بالقيام عن المجلس، كما لو قال: متى شئتِ، بخلاف إن شئتِ. ولأبي حنيفة أَنّ «إذا» قد تكون للشرط كما هو مذهب الكوفيين، فإذا كانت هنا للشرط لا تطلق المرأة في الحال، وإن كانت للوقت تطلق فيه. فوقع الشّك في الطّلاق في الحال، فلا تطلق فيه. وإنما لم يخرج الأمر من يدها بالقيام من المجلس في قوله: إذا شئتِ، لأن الأمر صار في يدها بيقين، فلا يخرج بالشكّ.


(١) الخصاصة: الفقر والحاجة وسوء الحال. المعجم الوسيط ص ٢٣٨، مادة (خصّ).

<<  <  ج: ص:  >  >>