للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإلَّا فَبَائِنَةٌ وكِنَايَتُهُ مَا يَحْتَمِلُهُ وغَيْرَهُ فَنَحْو: اخْرُجِي، وَاذْهَبِي، وَقُومِي، يَحْتَمِل رَدًّا. ونحو: خَلِيَّة، بَرِيّة، بَائِنٌ، بَتَّةٌ، حَرَامٌ، يَصْلُحُ سبًّا.

===

(وإلاَّ) أي وإنْ لم ينوِ شَيئاً أو نوى واحدةً أو ثنتين (فَبَائِنَةٌ) واحدة، لأنّ وصف الطّلاق بالشِّدَّة والطول والعرض وتشبيهَه بما يدلّ على ذلك إنّما هو اعتبار أثره، وذلك بكونه بائناً. والبينونة نوعان: خفيفة، وغليظة، فإذا نوى الغليظة صحَّت نيّته، وإذا نوى الثنتين لا تصحّ نِيَّتهما، لأن البينونة جنسٌ يحتمل الأقل والأكثر دون العدد، والثنتان عددٌ.

وقال مالك والشافعيّ وأحمد: إذا قال للمدخول بها: أنتِ طالقٌ بائنٌ يقع رجعياً. لأن قوله: أنتِ طالقٌ صريحٌ وهو رجعي وقوله بائنٌ تغيير (١) له فيردُ عليه. ولنا: أنه وصف الطّلاق بما يحتمله فلا يكون تغييراً له بل تبييناً. وقال أبو يوسف ومحمد والشافعيّ وأحمد في أنتِ طالقٌ كالجبل: يقع رجعية، لأنه يحتمل التشبيه في الوحدة وفي العِظَم، وهو في الوحدة رجعيّة وفي العظم بائنة، فلا تقع البينونة بالشَّك.

ولأبي حنيفة أنّ التشبيه يقتضي زيادة، وذلك بالبينونة. ولو شبَّه الطَّلاق بعدد ما لا عدد له بأن قال: أنتِ طالقٌ كعدد الشمس، وكعدد التراب فهي بائنة في قول أبي حنيفة، لأنّ التشبيه يقتضي ضرباً من الزيادة، ولا يمكن حمله على الزيادة في العدد، فيحمل على الزيادة في الصفة. وقال أبو يوسف: رجعيّة، واختاره إمام الحرمين من الشافعية، لأنّ التشبيه بالعدد فيما لا عدد له لغوٌ فيبقى قوله: أنتِ طالقٌ، وبه يقع رجعيّة. وقال محمد والشافعيّ وأحمد: ثلاثٌ، لأنّ مثل هذا الكلام يراد به الكثرة.

(وكِنَايَتُهُ) وهي لغةً: ضدّ التصريح، والمراد بها عند الفقهاء هنا (مَا يَحْتَمِلُهُ) أي لفظ يحتمل الطَّلاق (وغَيْرَهُ) فيفتقر إلى نيّة في حالة الرِّضا وعدم مذاكرة الطّلاق. وكذا الكتابة المستبينة في لوحٍ بمِدَاد أو في رملٍ ونحوه يحتاج إلى نيّة أو دلالة حال. واحترز بالمستبينة عن الكتابة في الماء والهواء والصخرة الصَّمَّاء ونحوها بلا مَدادٍ، فإنّه لا يقع به شيءٌ وإن نوى. فلو كتب رسالة على رسم الكتابة بأن كتب: أمّا بعد، يا فلانة إذا بلغك كتابي هذا، فأنتِ طالقٌ، فإنه يقع به الطَّلاق، ولا يصدق قضاءً في عدم النيّة، لدلالة الحال في الكلّ.

(فَنَحْو: اخْرُجِي، وَاذْهَبِي، وَقُومِي، يَحْتَمِلُ رَدًّا) لسؤال المرأة الطّلاق بأن يريد تبعيدها عن نفسه، وجواباً لسؤالها الطّلاق بأن يريد اخْرُجِي لأني طلَّقتك، وكذا البواقي (ونحو: خَلِيَّة بَرِيّة بَائِنٌ، بَتَّةٌ، حَرَامٌ، يَصْلُحُ سبًّا) للمرأة بأن يُرَاد خَلِيّةٌ من الخير،


(١) في المطبوع: تفسير، والمثبت من المخطوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>