للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنْ قَالَتْ: حَلَلْتُ، والمُدَّةُ تَحْتَمِلُ، وغَلَبَ عَلَى ظَنّهِ صِدْقُهَا، حَل له نِكَاحُهَا.

===

وقال مالك والشافعيّ وأحمد وأبو يوسف واللّيث وإسحاق وأبو عُبَيْدَ: اشتراط التحليل يُفْسد العقد، ولا تَحِلّ للأول. وقال محمد رحمه الله تعالى: لا يفسد العقد، ولا تحلّ للأوّل. لهم: ما رواه الحاكم في «المستدرك» وصححه، من حديث عمرو بن نافعٍ، عن أبيه أنه قال: جاء رجلٌ إلى ابن عمر رضي الله عنه فسأله عن رجلٍ طلّق امرأته ثلاثاً، فتزوّجها أخٌ له ليحلّها ـ وفي نسخة: ليحَلِّلَها ـ لأخيه هل تحلّ للأوّل؟ قال: لا إِنَّ النِّكاح رغبةٌ، كنّا نعدّ هذا سِفاحاً (١) على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم

وما روى النَّسائي، وأحمد، والترمذيّ وقال: حديث حسنٌ صحيحٌ، أنه قال صلى الله عليه وسلم «لعن الله المُحَلِّلَ والمُحَلَّل له». وما روى ابن ماجه من حديث ابن عبّاس وعُقْبَة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ألا أخبركم بالتيس المُسْتَعار؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: «هو المحِلّ ـ، وفي نسخة: المحلل ـ لعن اللَّهُ المحلِّل والمحلَّل له».

قال عبد الحق (في «الأحكام»: إسناده حسن، وروى أبو داود) (٢) والترمذيّ، وابن ماجه، عن الحارث، عن عليّ قال: لعن رسول الله المحلِّل والمحلَّل له. ورواه الترمذي والنَّسائي عن ابن مسعود من غير وجهٍ. ورواه أحمد، والبزَّار وابن أبي شَيْبَة، وغيرهم عن أبي هريرة بنحوه سواء.

ولنا: أنّ شرط التَّحليل في النِّكاح شرطٌ فاسدٌ، والنِّكاح لا يفسد بالشُّروط الفاسدة، إلاّ أنّ محمداً لم يثبت الحِلَّ للأوَّل لأنه استعجل ما أخّره الشرع فجُوزِيَ بمنعه. فهذا الحديث يقتضي صحة النِّكاح والحلّ للزّوج الأوّل والكراهة. والجواب عن حديث الحاكم: أنّه ليس بمرفوعٍ فلا يُعَارِضُ المرفوع.

(وإنْ قَالَتْ) المُطَلَّقة ثلاثاً (حَلَلْتُ، والمُدَّةُ تَحْتَمِلُ) بأن ذكرت لكل عِدَّةٍ ما يمكن، وهو شهران عند أبي حنيفة رحمه الله، وتسعة وثلاثون يوماً عندهما (وغَلَبَ عَلَى ظَنّهِ صِدْقُهَا حَلّ له نِكَاحُهَا) لأنّ النِّكاح إما أمرٌ دُنْيَويّ، وقول الواحد فيه مقبولٌ كالوكالة، وإمّا أمرٌ دينيّ وقول الواحد فيه مقبولٌ كالإخبار بطهارة شيءٍ، ونجاسة الماء، ورواية الحديث. وسُئِلَ الصَّفَّار ونجم الدين النَّسَفِيّ عن امرأة سمعت الطَّلاق الثلاث من الزّوج، ولا يمتنع عنها هل يَسَعُها قَتْلُه؟ قالا: يسعها عند إرادة قربانها. وهكذا أفتى السيد أبو الشُّجاع. وقال: الإسبِيجَابِيّ: لا يسعها.


(١) السِّفَاح: الإقامة مع المرأة من غير زواجٍ صحيح. المعجم الوسيط ص ٤٣٢، مادة (سفح).
(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوع.

<<  <  ج: ص:  >  >>