للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

محمد أنه قال: اجتمَعَ رأيي ورأيُ أبي يوسف أنَّ ماءَ البئر في حُكم الجاري لوجودِ النبْعِ من أسفلِها والأخْذِ من أعلاها، ثم قلنا: وما علينا لو أمَرْنا بنَزْحِ بعضِ دِلَاءٍ ولا نُخالِفُ السَّلَفَ. ومِن الطَّرِيقِ: أن يكونَ الإِنسانُ في يَدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابِهِ كالأعمى في يَدِ القائد. انتهى.

ثم النَّزْحُ يكونُ طهارةً لها، وللدلوِ، والرِّشاءِ (١) ، والبَكْرةِ، ويَدِ المُسْتَقِي، رُوِيَ ذلك عن أبي يوسف والحسَن، لأنَّ نجاسة هذه الأشياء كانت بنجاسةِ ماءِ البئر حُكماً، فتكونُ طهارتُها بطهارةِ البئر حُكماً، نفياً للحَرَج، كالدَّنِّ إذا تنجَّسَ بنجاسةِ الخمرِ ثم صارَتْ خَلاً حُكِمَ بطهارةِ الدَّنِّ تَبَعاً، وكمَنْ أخَذَ عُروةَ الإِناءِ من إبريقٍ ونحوهِ بيده وهي نَجِسة، وكُلَّما غَسَل يَدَهُ يأخذُ عُروةَ الإِناءِ: تَطْهُرُ العُروةُ بطهارةِ يدهِ، وكذا يَدُ المُستنجِي تَطهُرُ بطهارةِ المَحلّ. وقيل: الدَّلْوُ طاهرةٌ في حقِّ هذا البئرِ لا غيرِها، كدَمِ الشهيدِ طاهِرٌ في حقِّ نفسِه فقط.

ولو وَقَعَ البَعْرُ والرَّوْثُ والخِثْيُ في الآبار لا يُنَجِّسُها استحساناً. ولا فَصْلَ في ظاهر الرواية بين الرَّطْبِ واليابسِ، والصَّحيحِ والمنكسِرِ لشمولِ الضَّرُورةِ للكلّ، إلاَّ أن يَستكثره الناظرُ، وهو المرويُّ عن أبي حنيفة. قال في «الهداية»: وعليه الاعتماد. احترازاً مما قيل: الكثيرُ أنْ يأخُذَ وَجْهَ ثُلُثِ الماءِ أو رُبْعِهِ أو أكثَرِهِ أو كُلِّهِ، أو لا يخلوَ دَلْوٌ عن بعرة.

ولو بعَرَتْ الشاةُ وقتَ الحَلْب في المِحْلَب فرُمِيَ مِنْ حينِه ولم يَأخذ اللبَنُ مِنْ لونِهِ لا يَنْجُسُ اللبنُ كما رُوِيَ عن عليّ كرَّم اللهُ وجهَه، ولأَنَّ فيه ضَرْورةً: إذْ يَتَعذَّرُ أو يَتعسَّرُ الاحترازُ عن بَعْرِها وقْتَ الحلب. والبَعْرُ للبعير، والرَّوْثُ للخيلِ والحمير، والخِثْيُ بكسر الخاء للبقر. وفي «الهداية»: ولا يُعفَى القليلُ في الإِناء على ما قيل لعدَمِ الضرورة، فإنه المُتساهلُ في تركه مكشوفاً، وقد قال صلى الله عليه وسلم في فأرةٍ وقعتْ في السَّمْن: «إِنْ كان جامداً فأَلقُوها وما حَوْلها، وإن كان مائعاً فلا تَقْرَبُوه» (٢) .

ولا يَفْسُدُ الماءُ بخُرْءِ حَمَامٍ وعصفورٍ استحساناً، لحديثِ ابن مسعود: أنه خَرِئتْ عليه حَمامَةٌ فمسَحه بإصبعه. وزَرَقَ على ابنِ عُمَر طائرٌ فمسَحَه بحَصَاةٍ وصلَّى ولم يَغْسِله. وأصلُهُ حديث أبي أُمامة: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم شَكَرَ الحَمَامَةَ وقال: «إنَّها


(١) الرِّشاء: الحبل. مختار الصحاح ص ١٠٣، مادة (رشا).
(٢) أخرجه أبو داود في السنن ٤/ ١٨١، كتاب الأطعمة (٢٦)، باب في الفأرة تقع في السمن (٤٧)، رقم (٣٨٤٢). وجاء في المطبوعة والمخطوطة: "فلا تقربوها" وهو تحريف.

<<  <  ج: ص:  >  >>