للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعلى آتٍ مُنعَقِدَةٌ.

وكفَّر فيه فقط إن حَنِثَ

===

فإن قيل: ما معنى تعليق نفي المؤاخذةِ بالرجاء. وعدم المؤاخذة باللغو منصوصٌ عليه لقوله تعالى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ باللغوِ في أيْمَانِكم} (١) ؟.

أجيب بأن المنصوصَ عليه عدم المؤاخذة بما هو لغو في نفس الأمر، والمعلقُ بالرجاء عدم المؤاخذة بما هو لغو على هذا التفسير، لأنه قيل في تفسير اللغو أقوال أُخر. فروى البخاري في «صحيحه» عن هشام بن عروة عن عائشة في قوله تعالى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اباللغوِ في أيْمَانِكُم} قالت: هو قول الرجل: لا والله، وبلى والله. وهو رواية عن أبي حنيفة وقول محمد والشافعي. ورُوِي عن الشافعي أنه فسّر اللغو بالخالي عن القصد، سواء كان في الماضي أو الآتي، بأن قصد التسبيح، فجرى على لسانه اليمين.

وحكى محمد عن أبي حنيفة أن اللغو ما يجري بين الناس من قولهم: لا والله، وبلى والله. لما روى أبو داود عن عطاءٍ قال: قالت عائشة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «هو كلام الرجل في بيته: كـ: لا والله: وبلى والله». وتأويله عندنا فيما يكون خبراً عن الماضي، فإن اللغو ما يكون خالياً عن الفائدة. والخبرُ الماضي خالٍ عن فائدة اليمين التي هي الحظر أو الإيجاب، فكان لغواً. فأما الخبرُ في المستقبل فإن عَدِمَ القصد لا يَعْدَم فائدة اليمين. وقد ورد الشرع بأن الهزل والجِدّ في اليمين سواء. وقال الشَّعبي ومَسْرُوق: اليمين اللغو أن يحلِفَ على (معصية فيتركها لاغياً بيمينه. وعن سعيد بن جُبَيْر: هو الرجل يحلف على) (٢) الحَرَام بأن يُحَرِّمَ على نفسه ما أحلَّ الله له من قولٍ أو عملٍ، فلا يُؤَاخِذُ اللهاُ بتركه. وعن النّخَعي والحسن: أن الرجل يحلِف على الشيء ثم ينسى.

(وعلى) فعل أو ترك (آتٍ) أي مستقبل (مُنعَقِدَةٌ) وإعادةُ «على» لطول الفصل. وهذا أولى مما قال في «شرح الوقاية». ولو قال: وآت بلا لفظ «على» ليكون عطفاً على ماضٍ، لكان أولى كما لا يخفى.

(وكفَّر فيه) أي في الحَلِفِ على آت (فقط) أي ولم يُكفِّر في الغَمُوس (إن حَنِثَ) لأن الكفارة لرفع الذنب الحاصل بالحِنْث، وذنبُه حصل بأصل يمينه، فيجب


(١) سورة البقرة، الآية: (٢٢٥).
(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوع.

<<  <  ج: ص:  >  >>