للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولو سَهْوًا أو كَرْهًا، حَلَفَ أو حَنِثَ.

===

عليه التوبة والاستغفار. وقال الشافعي: يُكفِّر في الغموس أيضاً وهو قول الزهري، لقوله تعالى: {لا يُؤَاخِذُكُمْ اباللغو في أيْمانِكُم ولكنْ يُؤَاخِذُكُمْ بما كُسَبتْ قُلوُبكم} والغَمُوسُ مكسوبةٌ بالقلب.

ولنا قوله تعالى: {ولكنْ يُؤَاخِذُكُمْ بما عقَّدتُم الأَيمانَ فكفَّارَتُه إطعامُ عَشَرَةِ مساكين} (١) حيث رُتِّبَت الكفارة على المعقودةِ والغموس غير معقودة. ومذهبنا قول ابن مسعود، وابن عباس، وابن المُسيَّب، والحسن البصري، والأوزَاعِي، والثوري، والليث، وأبي عُبيد، ومالك، وأحمد. وقد روى الإمام أحمد في «مسنده» بإسناد جيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث طويل قال فيه: «خمسٌ ليس لهنَّ كفارة: الشرك بالله، وقتلُ النفس بغير حق، ونَهْبُ مؤمن، والفِرارُ من الزَّحف، ويمينٌ صابرةٌ يقتطع بها مالاً بغير حق». ويؤكده قول ابن مسعود: كُنّا نَعُدُّ اليمين الغموس من الأيْمَان التي لا كفارة فيها.

(ولو سَهْواً) وفي معناه النسيان، بل أولى (أو كَرْهاً) بخلاف النائم، فإنه لا يصح يمينه كما في «المجمع» (حَلَفَ أو حَنِثَ) خلافاً لمالك والشافعي وأحمد في الحَلِفِ بطريق السهو أو الإكراه. وخلافاً للشافعي في أصح القولين، ولأحمد في رواية في الحنث بطريق السهو أو الإكراه، لقوله عليه الصلاة والسلام: «رُفِعَ عن أمتي الخطأُ والنِّسيانُ وما استُكْرهوا عليه» (٢) .

ولنا أن الشرط هو الفعلُ وقد وجد. والفعل الحقيقي لا يصير معدوماً بالنسيان والإكْرَاه، ولقوله عليه الصلاة والسلام حين حَلّف المشركون صفوان وابنه: «نَفِي لهم بعهدهم، ونستعينُ الله عليهم»، فبين أن اليمينَ طوعاً وكَرهاً سواء.

وقوله: «رُفِعَ» محمول على رفع الإثم، وهو لا يقتضي عدم الكفَّارة كما حُقق في فعل الخطأ والنسيان في الصلاة، ومحظورات الإحرام. ويُتَصور النسيان في الحلف بأن حلف أن لا يحلف، فنسي فحلف. وأما السهو فمعناه الخطأ، كأن يريد أن يقول: اسقني الماء، فيقول: والله لا أشرب الماء. وأما ما في «الهداية» من قوله عليه الصلاة والسلام: «ثلاث جِدُّهن جِدّ وهَزلُهن جِدّ: النكاح، والطلاق، واليمين» فغير معروف. وإنما المعروف ما رواه أصحاب «السنن الأربعة» من حديث أبي هريرة، وحسنه الترمذي


(١) سورة المائدة، الآية: (٨٩).
(٢) لم نجده بهذا اللفظ، وأقرب لفظٍ وجدناه: ما أخرجه ابن ماجه في سننه ١/ ٦٥٩، كتاب الطلاق (١٠)، رقم (٢٠٤٣) عن أبي ذر الغفاري، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه".

<<  <  ج: ص:  >  >>