ويكون بمصر في السنة الغلاء والجزء السنوي يكون عند حلول الشمس برأسي الجدي والسرطان. فأما المدّ اليوميّ الدافع من البحر المحيط فإنه لا ينتهي في البحر الخارج من المحيط أكثر من درجة واحدة فلكية، ومساحتها من الأرض نحو من ستين ميلا ثم ينصرف، وانصرافه هو الجزر وكذلك الأودية إذا كانت الأرض وهدة، والمدّ الشهري ينتهي إلى أقاصي البحار، وهو يمسكها حتى لا تنصب في البحر المحيط، وحيث ينتهي المدّ الشهريّ فهناك منتهى ذلك البحر وطرفه. وأما المدّ السنوي فإنه يزيد في البحار الخارجة عن البحر المحيط زيادة بينة، ومن هذه الزيادة تكون زيادة النيل وامتلاؤه، وامتلاء نهر مهران، والديتلو الذي ببلاد السند. قال: ولما جاء أرسطو إلى مصر مع الإسكندر ورأى مصب النيل، وعلم أن من المحال أن يكون النيل في أسوان واد من الأودية. وكلما استحل اتسع حتى أن عرضه في أسفل ديار مصر لينتهي إلى مائة ميل عند غاية الفيض، وله أفواه كثيرة شارعه في البحر تسع كل ما يهبط من الميزان في ذلك الصنع، فرأى محالا أن يكون الوادي بحيث يضيق أسفله عن حمل ما يأتي به أعلاه مع ضيق أعلاه وسعة أسفله.
فلما رأى ذلك قال: إن رياحا تستقبل جرية الماء وتردعه، فيفيض لذلك. وقال الإسكندر: إن من المحال أن يكون الريح يردع الماء السائل في الوادي حتى يفيض أكثر من مائة ميل، ولو كانت الريح تفعل ذلك لكان الماء السائل ينفلت من أسفل الوادي، ويسيل إلى البحر، لأن البحر لا يمسك إلا أعلاه؛ ولكن الرياح تقذف الرمل في أفواه تلك الشوارع التي تفضي إلى البحر، فيعثر بها شبه الردم فيفيض. قال: وأغفل أن الرمل جسم متخلخل، فالماء يتخلله وينفذه سائلا إلى البحر، مع أن الرمل لم يعتل اعتلاء يظهر للحسن، والماء سائل في كل حين على حلق تنيس ودمياط وحلق رشيد وحلق الإسكندرية، ففطنوا لاستحالة كونه سائلا عن سيل حامل ونسبوا توقفه إلى الريح والرمل. وهم استقصوا الهواء واستقصوا الأرض وأغفلوا الاستقصاء الثالث الذي هو الماء لأنهم لم يعرفوا حركة البحر السنوية لأنها لا تبلغ الغاية إلا في ثلاثة أشهر فلا يظهر مقدار صعودها في كل يوم للحس. ولذلك وضع أمير مصر المقياس بديار مصر.
قال: والمدّ كله واحد وهو أن القمر يقابل الماء كما تقابل الشمس الأرض، فنور القمر إذا قابل كرة الأرض سخنها كما تسخن الشمس الهواء المحيط فيعتري الهواء المحيط بالماء بعض تسخين يذيب الماء، فيفيض وينمى بخاصته كالمرآة المحرقة الملهبة للجوّ حتى تحرق القطنة الموضوعة بين المرآة والشمس. فهذا مثاله في المقابلة ومثاله في المسرار كون الزجاجة المملوءة ما يلقى الشعاع إلى حلقها، فتحترق القطنة أيضا. فالقمر جسم نوريّ باكتسابه ذلك من الشمس. فإذا حال بين الشمس والأرض خرج عن جانبي الماء شعاع نافذ يمرّ مع جنبي الماء فيسخن ما قابله فينمو. والماء جسم شفاف عن جانبيه يخرج الشعاع كما