هذا الجامع بسويقة الخادم الطواشي شهاب الدين فاخر المنصوريّ مقدّم المماليك السلطانية، ومات في سابع ذي الحجة سنة سبع وثمانمائة، وكان ذا مهابة وأخلاق حسنة مع سطوة شديدة، ولهم بلبان الفاخريّ الأمير سيف الدين نقيب الجيوش، مات في سنة سبع وتسعين وستمائة، وولي نقابة الجيش بعد طيبرس الوزيريّ، وكان جوادا عارفا بأمر الأجناد خيرا كثير الترف.
[جامع ابن عبد الظاهر]
هذا الجامع بالقرافة الصغرى قبليّ قبر الليث بن سعد، كان موضعه يعرف بالخندق، أنشأه القاضي فتح الدين محمد بن عبد الله بن عبد الظاهر بن نشوان بن عبد الظاهر الجذاميّ السعديّ الروحيّ من ولد روح بن زنباع الجذاميّ، بجوار قبر أبيه، وأوّل ما أقيمت به الخطبة في يوم الجمعة الرابع والعشرين من صفر سنة ثلاث وثمانين وستمائة، وكان يوما مشهودا لكثرة من حضر من الأعيان. ولد بالقاهرة في ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين وستمائة، وسمع من ابن الجميزيّ وغيره، وحدّث وكتب في الإنشاء، وساد في دولة المنصور قلاون بعقله ورأيه وهمته، وتقدّم على والده القاضي محيي الدين وهو ماهر في الإنشاء والكتابة، بحيث كان من جملة من يصرّفهم بأمره ونهيه، وكان الملك المنصور يعتمد عليه ويثق به، ولما ولي القاضي فخر الدين بن لقمان الوزارة قال له الملك المنصور: من يلي عوضك كتابة السرّ؟ فقال القاضي: فتح الدين بن عبد الظاهر، فولّاه كتابة السرّ عوضا عن ابن لقمان، وتمكن من السلطان وحظي عنده، حتى أنّ الوزير فخر الدين بن لقمان ناول السلطان كتابا فأحضر ابن عبد الظاهر لقراءته على عادته، فلما أخذ الكتاب من السلطان أمر الوزير أن يتأخر حتى يقرأه فتأخر الوزير، ثم إن ابن لقمان صرف عن الوزارة وأعيد إلى ديوان الإنشاء فتأدّب معه، فلما ولي وزارة الملك الأشرف خليل بن قلاون شمس الدين بن السلعوس قال لفتح الدين: اعرض عليّ كل يوم ما تكتبه. فقال: لا سبيل لك إلى ذلك ولا يطلع على أسرار السلطان إلّا هو، فإن اخترتم وإلّا عينوا عوضي، فلما بلغ السلطان ذلك قال: صدق ولم يزل على حاله إلى أن مات، وأبوه حيّ بدمشق في النصف من شهر رمضان سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، فوجد في تركته قصيدة مرثية قد عملها في رفيقه تاج الدين أحمد بن سعيد بن محمّد بن الأثير لما مرض وطال مرضه، فاتفق أن عوفي ابن الأثير ولم يتأخر ابن عبد الظاهر بعد عافيته سوى ليال يسيرة ومرض ومات، فرثاه ابن الأثير بعد موته وولى