الناصر صلاح الدين يوسف بن العزيز محمد بن الظاهر غازي بن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب صاحب الشام لأخذ مصر، فلما انهزم الملك الناصر واستبدّ الملك المعز أيبك، أحدث وزيره من المكوس شيئا كثيرا، ثم إنّ الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداريّ بنى دار العدل وجلس بها للنظر في المظالم. كما تقدّم، فلما بنى الإيوان الملك الناصر محمد بن قلاون واظب الجلوس يوم الاثنين والخميس فيه، وصار يفصل فيه الحكومات في الأحايين إذا أعيي من دونه فصلها، فلما استبدّ الملك الظاهر برقوق بالسلطنة عقد لنفسه مجلسا بالإصطبل السلطانيّ من قلعة الجبل، وجلس فيه يوم الأحد ثامن عشري شهر رمضان سنة تسع وثمانين وسبعمائة، وواظب ذلك في يومي الأحد والأربعاء، ونظر في الجليل والحقير، ثم حوّل ذلك إلى يومي الثلاثاء والسبت، وأضاف إليهما يوم الجمعة بعد العصر، وما زال على ذلك حتى مات، فلما ولى ابنه الملك الناصر فرج بعده واستبدّ بأمره، جلس للنظر في المظالم بالإصطبل اقتداء بأبيه، وصار كاتب السرّ فتح الدين فتح الله يقرأ القصص عليه، كما كان يقرؤها على أبيه، فانتفع أناس وتضرّر آخرون بذلك، وكان الضرر أضعاف النفع، ثم لما استبدّ الملك المؤيد شيخ بالمملكة جلس أيضا للنظر في المظالم كما جلسا، والأمر على ذلك مستمرّ إلى وقتنا هذا، وهو سنة تسع عشرة وثمانمائة.
وقد عرف النظر في المظالم منذ عهد الدولة التركية بديار مصر والشام بحكم السياسة، وهو يرجع إلى نائب السلطنة وحاجب الحجاب، ووالي البلد ومتولى الحرب بالأعمال، وسيرد إن شاء الله تعالى الكلام في حكم السياسة عن قريب.
[ذكر خدمة الإيوان المعروف بدار العدل]
كانت العادة أنّ السلطان يجلس بهذا الإيوان بكرة الاثنين والخميس طول السنة خلا شهر رمضان، فإنه لا يجلس فيه هذا المجلس، وجلوسه هذا إنما هو للمظالم، وفيه تكون الخدمة العامّة واستحضار رسل الملوك غالبا، فإذا جلس للمظالم كان جلوسه على كرسيّ إذا قعد عليه يكاد تلحق الأرض رجله، وهو منصوب إلى جانب المنبر الذي هو تخت الملك وسرير السلطنة، وكانت العادة أوّلا أن يجلس قضاة القضاة من المذاهب الأربعة عن يمينه، وأكبرهم الشافعيّ، وهو الذي يلي السلطان، ثم إلى جانب الشافعيّ الحنفيّ، ثم المالكيّ، ثم الحنبليّ، وإلى جانب الحنبليّ الوكيل عن بيت المال، ثم الناظر في الحسبة بالقاهرة، ويجلس على يسار السلطان كاتب السرّ، وإن كان الوزير من أرباب السيوف، كان واقفا على بعد مع بقية أرباب الوظائف، وإن كان نائب السلطنة، فإنه يقف مع أرباب الوظائف، ويقف من وراء السلطان صفان عن يمينه ويساره من السلاحدارية والجمدارية والخاصكية، ويجلس على بعد بقدر خمسة عشر ذراعا عن يمنته ويسرته ذو والسنّ والقدر من أكابر أمراء المئين، ويقال لهم أمراء المشورة، ويليهم من أسفل منهم أكابر الأمراء وأرباب الوظائف، وهم