وكان أرمنيّ الجنس، وسمّي الفاصد لأنه فصد الأمير حسن بن الحافظ وتركه محلولا فصاده حتّى مات. وله خبر غريب في وفاته، كان الحافظ قد نقم عليه أشياء طلب قتله بها باطنا فقال لطبيبه: اكفني أمره بمأكل أو مشرب، فأبى الطبيب ذلك خوفا أن يصير عند الحافظ بهذه العين وربما قتله بها، والحافظ يحثّه على ذلك فاتّفق ليانس الوزير المذكور أنه مرض بزحير «١» ، وإن الحافظ خاطب الطبيب بذلك فقال: يا مولاي، قد أمكنتك الفرصة وبلغت مقصودك، ولو أنّ مولانا عادة في هذه المرضة اكتسب حسن أحدوثة، وهذه المرضة ليس دواؤه منها إلّا الدعة والسكون، ولا شيء أضرّ عليه من الانزعاج والحركة، فبمجرّد ما سمع بقصد مولانا له تحرّك واهتمّ بلقاء مولانا وانزعج، وفي ذلك تلاف نفسه. ففعل الخليفة ذلك وأطال الجلوس عنده فمات «٢» . وهذا الخبر فيه أوهام منها أنه جعل اليانسية منسوبة ليانس الوزير، وقد كانت اليانسية قبل يانس هذا بمدّة طويلة، ومنها أنه ادّعى أن حسن بن الحافظ مات من فصادة، وليس كذلك، وإنما مات مسموما، ومنها أنه زعم أن يأنس تولّى فصده وليس كذلك، بل الذي تولى قتله بالسم أبو سعيد ابن فرقة، ومنها أن الذي نقم عليه الحافظ من الأمراء فخانه في ابنه حسن إنما هو الأمير المعظّم جلال الدين محمد المعروف بجلب راغب، وهذا نص الخبر فنزه بالك، والله تعالى أعلم.
[ذكر وزارة أبي الفتح ناصر الجيوش يأنس الأرمني]
وكان من خبر ذلك أن الخليفة الآمر بأحكام الله أبا عليّ منصورا لما قتله النزارية «٣» في ذي القعدة سنة أربع وعشرين وخمسمائة أقام هزبر الملوك جوامرد «٤» العادل برغش الأمير أبا الميمون عبد المجيد في الخلافة كفيلا للحمل الذي تركه الآمر، ولقّب بالحافظ لدين الله، ولبس هزبر الملوك خلع الوزارة، فثار الجند وأقاموا أبا عليّ أحمد الملقّب بكتيفات ولدا لأفضل ابن أمير الجيوش في الوزارة، وقتل هزبر الملوك واستولى كتيفات على الآمر، وقبض على الحافظ وسجنه بالقصر مقيّدا إلى أن قتل كتيفات في المحرّم سنة ستّ وعشرين وخمسمائة. وبادر صبيان الخاص الذين تولّوا قتله إلى القصر، ودخلوا ومعهم الأمير يأنس متولّي الباب إلى الخزانة التي فيها الحافظ، وأخرجوه إلى الشبّاك وأجلسوه في منصب الخلافة وقالوا له: والله ما حرّكنا على هذا إلا الأمير يأنس، فجازاه الحافظ بأن فوّض إليه الوزارة في الحال، وخلع عليه فباشرها مباشرة جيّدة. وكان عاقلا مهابا متمسّكا