جدّد جامع راشدة مرارا، وأدركته عامرا تقام فيه الجمعة ويمتلئ بالناس لكثرة من حوله من السكان، وإنما تعطل من إقامة الجمعة بعد حوادث سنة ست وثمانمائة. وقال الشريف محمد بن أسعد الجوّانيّ النسابة: راشدة بطن من لخم، وهم ولد راشدة بن الحارث بن أدّ بن جديلة من لخم بن عديّ بن الحارث بن مرّة بن أدد، وقيل راشدة بن أدوب، ويقال لراشدة خالفة، ولهم خطة بمصر بالجبل المعروف بالرصد، المطلّ على بركة الحبش، وقد دثرت الخطة ولم يبق في موضعها إلّا الجامع الحاكميّ المعروف بجامع راشدة.
[جامع المقس]
هذا الجامع أنشأه الحاكم بأمر الله على شاطىء النيل بالمقس في «١» لأنّ المقس كان خطة كبيرة، وهي بلد قديم من قبل الفتح، كما تقدّم ذكر ذلك في هذا الكتاب.
وقال في الكتاب الذي تضمن وقف الحاكم بأمر الله الأماكن بمصر على الجوامع، كما ذكر في خبر الجامع الأزهر ما نصه: ويكون جميع ما بقي مما تصدّق به على هذه المواضع، يصرف في جميع ما يحتاج إليه في جامع المقس المذكور، من عمارته، ومن تمن الحصر العبدانية والمظفورة، وثمن العود للبخور، وغيره على ما شرح من الوظائف في الذي تقدّم، وكان لهذا الجامع نخل كثير في الدولة الفاطمية، ويركب الخليفة إلى منظرة كانت بجانبه عند عرض الأسطول فيجلس بها لمشاهدة ذلك كما ذكر في موضعه من هذا الكتاب عند ذكر المناظر، وفي سنة سبع وثمانين وخمسمائة انشقت زريبة من هذا الجامع في شهر رمضان لكثرة زيادة ماء النيل، وخيف على الجامع السقوط فأمر بعمارتها. ولما بنى السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب هذا السور الذي على القاهرة، وأراد أن يوصله بسور مصر من خارج باب البحر إلى الكوم الأحمر، حيث منشأة المهرانيّ اليوم، وكان المتولي لعمارة ذلك الأمير بهاء الدين قراقوش الأسديّ، أنشأ بجوار جامع المقس برجا كبيرا عرف بقلعة المقس في مكان المنظرة التي كانت للخلفاء، فلما كان في سنة سبعين وسبعمائة جدّد بناء هذا الجامع الوزير الصاحب شمس الدين عبد الله المقسيّ، وهدم القلعة وجعل مكانها جنينة، واتهمه الناس بأنه وجد هنالك مالا كثيرا، وأنه عمر منه الجامع المذكور، فصار العامّة اليوم يقولون جامع المقسيّ، ويظنّ من لا علم عنده أن هذا الجامع من إنشائه، وليس كذلك، بل إنما جدّده وبيضه، وقد انحسر ماء النيل عن تجاه هذا الجامع كما ذكر في خبر بولاق والمقس، وصار هذا الجامع اليوم على حافة الخليج الناصريّ، وأدركنا ما حوله في غاية العمارة، وقد تلاشت المساكن التي هناك وبها إلى اليوم بقية يسيرة، ونظر هذا الجامع اليوم بيد أولاد الوزير المقسيّ، فإنه جدّده وجعل عليه أوقافا لمدرّس وخطيب وقومة ومؤذنين وغير ذلك.