للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمير الوزير ناصر الدين محمد بن الحسام، وهذه المقصورة بآخر الرواق الأوّل مما يلى الركن الغربيّ، ولم تزل هذه الزاوية عامرة إلى أن كانت المحن من سنة ست وثمانمائة، وخرب خط زريبة قوصون وما في قبليه إلى منشأة المهرانيّ، وما في بحريه إلى قرب بولاق.

[زاوية القلندرية]

القلندرية طائفة تنتمي إلى الصوفية، وتارة تسمي أنفسها ملامتية، وحقيقة القلندرية أنهم قوم طرحوا التقيد بآداب المجالسات والمخاطبات، وقلت أعمالهم من الصوم والصلاة إلّا الفرائض، ولم يبالوا بتناول شيء من اللذات المباحة، واقتصروا على رعاية الرخصة، ولم يطلبوا حقائق العزيمة، والتزموا أن لا يدّخروا شيئا، وتركوا الجمع والاستكثار من الدنيا ولم يتقشفوا ولا زهدوا ولا تعبدوا، وزعموا أنهم قد قنعوا بطيب قلوبهم مع الله تعالى، واقتصروا على ذلك وليس عندهم تطلع إلى طلب مزيد سوى ما هم عليه من طيب القلوب.

والفرق بين الملامتيّ والقلندريّ، أن الملامتيّ يعمل في كتم العبادات، والقلندريّ يعمل في تخريب العادات، والملامتيّ يتمسك بكل أبواب البرّ والخير ويرى الفضل فيه، إلّا أنه يخفي أحواله وأعماله، ويوقف نفسه موقف العوام في هيئته، وملبوسه تسترا للحال، حتى لا يفطن له، وهو مع ذلك متطلع إلى المزيد من العبادات. والقلندريّ لا يتقيد بهيئة ولا يبالي بما يعرف من حاله وما لا يعرف، ولا ينعطف إلّا على طيب القلوب، وهو رأس مال.

هذه الزاوية خارج باب النصر من القاهرة من الجهة التي فيها الترب والمقابر التي تلي المساكن، أنشأها الشيخ حسن الجوالقيّ القلندريّ، أحد فقراء العجم القلندرية على رأي الجوالقة، ولما قدم إلى ديار مصر تقدّم عند أمراء الدولة التركية، وأقبلوا عليه واعتقدوه فأثرى ثراء زائدا في سلطنة الملك العادل كتبغا، وسافر معه من مصر إلى الشام، فاتفق أن السلطان اصطاد غزالا ودفعه إليه ليحمله إلى صاحب حماه، فلما أحضره إليه ألبسه تشريفا من حرير طرز وخش وكلوتة زركش، فقدم بذلك على السلطان، فأخذ الأمراء في مداعبته وقالوا له على سبيل الإنكار: كيف تلبس الحرير والذهب وهما حرام على الرجال؟ فأين التزهد وسلوك طريق الفقراء ونحو ذلك؟ فعندما حضر صاحب حماه إلى مجلس السلطان على العادة قال له: يا خوند أيش عملت معي، الأمراء أنكروا عليّ، والفقراء تطالبني. فأنعم عليه بألف دينار، فجمع الفقراء والناس وعمل وقتا عظيما بزاوية الشيخ عليّ الحريريّ خارج دمشق، وكان سمح النفس جميل العشرة لطيف الروح، يحلق لحيته ولا يعتم، ثم إنه ترك الحلق وصارت له لحية وتعمم عمامة صوفية، وكانت له عصبة، وفيه مروءة وعصبية، ومات بدمشق في سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة.

وما زالت هذه الزاوية منزلا لطائفة القلندرية، ولهم بها شيخ، وفيها منهم عدد

<<  <  ج: ص:  >  >>